الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }

{ وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } معطوف على { هَـٰذِهِ } أي: فعجّل لكم هذه المغانم، ومغانم أخرى، وهي مغانم هوازن في غزوة حنين، لأنه قال: { لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } وهذا يدل على ما تقدم محاولة لها. وقال الحسن: هي فارس والروم. قال القرطبيّ: وكونها معجلة، وإن كانت لم تحصل إلا في عهد عمر، بالنسبة لما بعدها من الغنائم الإسلامية.

وعن قتادة: هي مكة. قال ابن جرير: وهذا القول الذي قاله قتادة، أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل. وذلك أن الله أخبر هؤلاء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة أنه محيط بقرية لم يقدروا عليها، ومعقول أنه لا يقال لقوم، لم يقدروا على هذه المدينة، إلا أن يكونوا قد راموها فتعذرت عليهم. فأما وهم لم يروموها فتتعذر عليهم، فلا يقال إنهم لم يقدروا عليها. فإذا كان ذلك كذلك، وكان معلوماً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقصد قبل نزول هذه الآية عليه، خيبرَ لحربٍ، ولا وجّه إليها لقتال أهلها جيشاً ولا سرية، عُلم أن المعنى بقوله: { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } غيرها، وأنها هي التي عالجها ورامها فتعذرت، فكانت مكة وأهلها كذلك، وأخبر الله تعالى نبيّه والمؤمنين، أنه أحاط بها وبأهلها، وأنه فاتحها عليهم. انتهى.

وقال القرطبيّ: معنى: { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } أي: أعدها لكم، فهي كالشيء الذي أحيط به من جميع جوانبه، فهو محصور لا يفوت. فأنتم، وإن لم تقدروا عليها في الحال، فهي محبوسة عليكم لا تفوتكم. وقيل: { أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } علم أنها ستكون لكم، كما قال:وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً } [الطلاق: 12]. وقيل: حفظها الله عليكم، ليكن فتحها لكم. انتهى.

وقد جوّز في { وَأُخْرَىٰ } أن تكون معطوفة على { مَغَانِمَ } المنصوب بـ { وَعَدَكُمُ } وأن تكون مرفوعة بالابتداء و { لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } صفتها و { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } خبر. وأوجه أخر.

{ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } أي: لا يبعد عليه إذا شاءه.

ثم أشار تعالى إلى تبشير أهل بيعة الرضوان بالظفر، والنصر المستمر، لصدق إيمانهم، وإخلاصهم في ثباتهم، وإيثارهم مرضاة الله ورسوله على كل محبوب، بقوله:

{ وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ... }.