الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ } أي: بعذر الاشتغال بأموالهم وأهليهم بعد طلبهم الاستغفار لهم { إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ } أي: قصدتم السير { إِلَىٰ مَغَانِمَ } أي: أماكنها. قال ابن جرير: وذلك ما كان وعد الله أهل الحديبية من غنائم خيبر { ذَرُونَا } أي: اتركونا في الانطلاق إليها: { نَتَّبِعْكُمْ } أي: نشهد معكم قتال أهلها { يُرِيدُونَ } أي: بعد ظهور كذبهم في الاعتذار، وطلب الاستغفار { أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ } قال ابن جرير: أي: وعد الله الذي وعد أهل الحديبية، وذلك أن الله جعل غنائم خيبر لهم، ووعدهم ذلك عوضاً من غنائم أهل مكة، إذا انصرفوا عنها على صلح، ولم يصيبوا منهم شيئاً.

وقال آخرون: بل عنى بقوله: { يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ } إرادتهم الخروج مع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم في غزوة. وقد قال الله تبارك وتعالى في سورة التوبة:فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } [التوبة: 83] والأكثرون على الأول. وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رجع من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست، وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم، ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية، ففتحها وغنم أموالاً كثيرة، فخصها بهم.

قال الشراح: وكان ذلك بوحي. ثم كانت غزوة تبوك بعد فتح خيبر، وبعد فتح مكة أيضاً. وفي منصرفه من تبوك نزل قوله تعالى:فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ... } [التوبة: 83] الآية. فكيف يحمل على ما كان في غزوة الحديبية، وقد نزل بعدها بكثير؟ والله أعلم.

{ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } أي: إلى خيبر إذا أردنا السير إليها. وهو نفي في معنى النهي. قال الشهاب: فالخبر مجاز عن النهي الإنشائيّ، وهو أبلغ.

{ كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } قال ابن جرير: أي: من قبل مرجعنا إليكم. إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية معنا، ولستم ممن شهدها، فليس لكم أن تتبعونا إلى خيبر؛ لأن غنيمتها لغيركم { فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا } أي: أن نصيب معكم مغنماً إن نحن شهدنا معكم، فلذلك تمنعوننا من الخروج معكم. قال الشهاب: وهو إضراب عن كونه بحكم الله. أي: بل إنما ذلك من عند أنفسكم حسداً.

{ بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ } أي: عن الله تعالى ما لهم وما عليهم من أمر الدين { إِلاَّ قَلِيلاً } أي: فهماً قليلاً، وهو ما كان في أمور الدنيا، كقوله تعالى:يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [الروم: 7].