الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }

{ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ } أي: جمعوا يوم القيامة لموقف الحساب { كَانُواْ } أي: آلهتهم { لَهُمْ أَعْدَآءً } أي: لتبرئهم منهم. قال الشهاب: أعداء استعارة، أو مجاز مرسل للضارّ. { وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } قال ابن جرير: أي: وكانت آلهتهم التي يعبدونها في الدنيا، بعبادتهم جاحدين؛ لأنهم يقولون يوم القيامة: ما أمرناهم بعبادتنا، ولا شعرنا بعبادتهم إيانا، تبرّأنا إليك منهم، يا ربنا! أي: فالتكذيب بلسان المقال، قصداً إلى بيان أن معبودهم في الحقيقة الشياطين، وأهواؤهم.

وقال القاشانيّ: كانوا أعداء؛ لأن عبادة أهل الدنيا لسادتهم وخدمتهم إياهم، لا تكون إلا لغرض نفسانيّ. وكذا استعباد الموالي لخدمهم، فإذا ارتفعت الأغراض، وزالت العلل والأسباب، كانوا لهم أعداء، وأنكروا عبادتهم، يقولون: ما خدمتمونا، ولكن خدمتم أنفسكم. كما قيل في تفسير قوله:ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } [الزخرف: 67] انتهى.

وقيل: الضمير في { كَانُواْ } في الموضعين، للعابدين، لئلا يلزم التفكيك. وفيه نظر؛ لأنه خلاف المتبادر من السياق، إذ هو لبيان حال الآلهة معهم، لا عكسه، ولأن كفرهم حينئذ إنكار لعبادتهم. وتسميته كفراً، خلاف الظاهر أيضاً. وقد أوضح ذلك آيةوَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً * كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [مريم: 81-82]. والقرآن يفسر بعضه بعضاً.