الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } * { قَالُواْ يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ } أي: أملناهم إليك، وأقبلنا بهم نحوك { يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ } أي: ليتم التدبر والتفكر { فَلَمَّا قُضِيَ } أي: فرغ من قراءته، كمل تأثيرهم به، فأرادوا التأثير به، لذلك { وَلَّوْاْ } أي: رجعوا { إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } أي: عما هم فيه من الضلال. { قَالُواْ يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ } أي: المتفق على تعظيم كتابه. أي: وقد علمنا صدقه لكونه { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي: من هذه الكتب كلها، وقد فُضّل عليها إذ { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ } أي: معرفة الحقائق { وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي: لا عوج فيه، وهو الإسلام.

قال ابن كثير: أي: يهدي إلى الحق في الاعتقاد والأخبار، وإلى طريق مستقيم في الأعمال. فإن القرآن مشتمل على شيئين: خبر وطلب. فخبره صدق، وطلبه عدل، كما قال تعالى:وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } [الأنعام: 115] وقال تعالى:هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ } [التوبة: 33] فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح. وهكذا قالت الجن: يهدي إلى الحق في الاعتقادات، وإلى طريق مستقيم، أي في العمليات.

{ يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ } أي: رسول الله محمداً إلى ما يدعوكم إليه من طاعة الله، { وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ } أي: بمعجز ربَّه، بهربه إذا أراد تعالى عقوبته؛ لأنه في قبضته وسلطانه، أنّى اتجه. { وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ } أي: نصراء ينصرونه من الله إذا عاقبه. { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي: أخذ على غير استقامة.

تنبيهات

الأول: روى الإمام مسلم عن علقمة قال: " سألت ابن مسعود رضي الله عنه: هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقيل: استطير، اغتيل! قال: فبتنا بشرِّ ليلة بات فيها قوم. فلما أصبحنا إذا هو جاء من قِبَل حِراءَ. قال: فقلنا: يا رسول الله، فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم. فقال: " أتاني داعي الجن، فذهبت معهم، فقرأت عليهم القرآن " قال: فانطَلَقَ بنا، فأرانا آثارهم ".

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كان الجن يستمعون الوحي، فيسمعون الكلمة، فيزيدون فيها عشراً. فيكون ما سمعوا حقاً، وما زادوا باطلاً. وكانت النجوم لا يُرمى بها قبل ذلك. فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحدهم لا يأتي مقعده إلا رُمي بشهاب يحرق ما أصاب، فشكوا ذلك إلى إبليس، فقال: ما هذا إلا من أمر قد حدث. فبثّ جنوده، فإذا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم يصليّ بين جبلي نخلة، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8