الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }

{ وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ } أي: مكنّا عاداً، وآتيناهم من كثرة الأموال، وقوة الأجسام، فيما لم نمكنكم فيه من الدنيا، على أنَّ { إِن } نافية، أُوثرت على (ما) لئلا توجب شبه التكرير الثقيل. وقيل: { إِن } شرطية محذوفة الجواب. والتقدير: ولقد مكناهم في الذي، أو في شيء، إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر. وقيل: هي صلة كما في قوله:
يرجّي المرءُ ما إنْ لا يَرَاهُ   ويَعْرِضُ دون أَدْنَاْهُ الخطوبُ
قال الزمخشريّ: والوجه هو الأول. ولقد جاء عليه في غير آية في القرآنهُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } [مريم: 74]،كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً } [غافر: 82] وهو أبلغ في التوبيخ، وأدخل في الحث على الاعتبار.

قال الناصر: واختص بهذه الطائفة قوله تعالى:وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } [فصلت: 15]، وقوله:مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ } [الأنعام: 6] أي: والأصل توافق المعاني في الآي الواردة في نبأ واحد. على ما فيه أيضاً من سلامة الحذف، والزيادة.

{ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً } قال الطبريّ: أي: جعلنا لهم سمعاً يسمعون به مواعظ ربهم، وأبصاراً يبصرون بها حجج الله، وأفئدة يعقلون بها ما يضرهم وينفعهم، { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ } أي: لأنهم لم يستعملوها فيما خلقت له، بل في خلافه { إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي: من العذاب.

قال الطبري: وهذا وعيد من الله عز وجل ثناؤه، لقريش. يقول لهم: فاحذروا أن يحل بكم من العذاب على كفركم بالله، وتكذيبكم رسله، ما حلَّ بعاد، وبادروا بالتوبة قبل النقمة.

لطيفة

قال الشهاب: أفرد السمع في النظم، وجمع غيره، لاتحاد المدرك به، وهو الأصوات، وتعددت مدركات غيره، ولأنه في الأصل مصدر، وأيضاً مسموعهم من الرسل متحد.