الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

{ وَلِكُلٍّ } أي: من الفريقين { دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } أي: مراتب من جزاء ما عملوا من صالح وسيىء: { وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ } أي: جزاءها { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي: ينقص ثواب، ولا زيادة عقاب.

تنبيه

روى ابن جرير عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في ابنٍ لأبي بكر الصديق. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر، قال لأبويه - وهما أبو بكر وأم رومان، وكانا قد أسلما وأبى هو أن يسلم، فكانا يأمرانه بالإسلام، فكان يرد عليهما ويكذبهما ويقول: فأين فلان، وأين فلان؟ يعني مشايخ قريش ممن قد مات. فأسلم بعدُ فحسن إسلامه - فنزلت توبته في هذه الآية: { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ }.

قال الحافظ ابن حجر: لكن نفيُ عائشة أن تكون نزلت في عبد الرحمن وآل بيته، أصح إسناداً وأولى بالقبول. وذلك ما رواه البخاريّ والإسماعيليّ والنسائيُ وأبو يعلى؛ أن مروان كان عاملاً على المدينة، فأراد معاوية أن يستخلف يزيد، فكتب إلى مروان بذلك، فجمع مروان الناس فخطبهم، فذكر يزيدَ، ودعا إلى بيعته وقال: إن الله أرى أمير المؤمنين في يزيد رأياً حسناً، وإن يستخلفه، فقد استخلف أبو بكر وعمر. فقال عبد الرحمن: ما هي إلا هرقلية! فقال مروان: سنة أبي بكر وعمر. فقال عبد الرحمن: هرقلية! إن أبا بكر، والله! ما جعلها في أحد من ولده، ولا في أهل بيته، وما جعلها معاوية إلا كرامة لولده! فقال مروان: خذوه. فدخل بيت عائشة، فلم يقدروا عليه. فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه:وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ } [الأحقاف: 17] فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن، إلا أن الله أنزل عذري. ولو شئت أن أسمي من نزلت فيه لسميته، ولكن رسول الله لعن أبا مروان، ومروانُ في صلبه.

ومما يؤيده أن:ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } [الأحقاف: 18] هم المخلدون في النار في علم الله تعالى، وعبد الرحمن كان من أفاضل المسلمين وسرواتهم، وحاول بعضهم عدم التنافي بأن يقع منه ذلك قبل إسلامه، ثم يسلم بعد ذلك. ومعلوم أن الإسلام يجبّ ما قبله، وأن معنى الوعيد في الآية إنما هو للمصرّين عليه الذين لم يقلعوا، لكثرة ما ورد في العفو عن التائبين، وقد نزل من الوعيد الشديد في أول البعثة آيات لا تحصى، وكلها تنعى على من كان مشركاً آنئذٍ، ولم يقل أحد بشمولها لهم بعد إيمانهم، أو أنَّ فيها ما يحط من أقدارهم، ويجعلها مغمزاً لهم، إلا أن مروان لم يجد المقاومة ما ألقمه إلا الشغب، وشغل الناس عن باطله بنغمة يطرب لها الجهلة، وقالةٍ يلوكها الرعاع، وهم الذين يهمه أمرهم.

السابقالتالي
2