الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }

{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } أي: من ترك متابعة الهدى إلى متابعة الهوى، فكأنه يعبده، فجعلُه إلهاً تشبيه بليغ أو استعارة. قال القاشانيّ: الإله المعبود، ولما أطاعوا الهوى فقد عبدوه وجعلوه إلهاً؛ إذ كل ما يعبده الإنسان بمحبته وطاعته، فهو إلهه لو كان حجرا! { وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } ، أي: عالماً بحاله، من زوال استعداده، وانقلاب وجهه، إلى الجهة السفلية، أو مع كون ذلك العابد للهوى عالماً بعلم ما يجب عليه فعله في الدين، على تقدير أن يكون { عَلَىٰ عِلْمٍ } حالاً من الضمير المفعول في { وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ } لا من الفاعل، وحينئذ يكون الإخلال لمحالفته علمه بالعمل، وتختلف القدم عن النظر، لتشرب قلبه بمحبة النفس وغلبة الهوى، أو على علم منه غير نافع؛ لكونه من باب الفضول، ليس فيه إلى الحق سلوك ووصول { وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ } أي: بالطرد من باب الهدى، والإبعاد عن محل سماع كلام الحق وفهمه، لمكان الرَّين وغلظ الحجاب، فلا يعقل منه شيئاً { وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً } أي: عن رؤية حجج الله وآياته { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ } أي: فمن يوقفه لإصابة الحق بعد إضلال الله إياه { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } أي: ما الحياة أو الحال غير حياتنا هذه التي نحن فيها { نَمُوتُ } أي: بالموت البدنيّ الطبيعيّ، { وَنَحْيَا } أي: الحياة لجسمانية الحسية، لا موت ولا حياة غيرهما { وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } أي: مرّ الليالي والأيام وطول العمر { وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } أي: وما يقولون ذلك عن علم ولكن على ظن وتخمين. و (ذلك) إشارة إلى نسبة الحوادث إلى الدهر، أو إلى إنكار البعث، أو إلى كليهما. قال الزمخشريّ: كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس، وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بأمر الله، وكانوا يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر والزمان, وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر " أي: فإن الله هو الآتي بالحوادث لا الدهر. انتهى.

وقال الخطابيّ: معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي تنسبونها إلى الدهر. فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور، عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها. وإنما الدهر زمان جعل ظرفاً لمواقع الأمور. وكان عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا: (بؤساً للدهر) و(تباً للدهر). انتهى.

قال ابن كثير: وقد غلط ابن حزم. ومن نحا نحوه من الظاهرية، في عدّهم الدهر من الأسماء الحسنى؛ أخذاً من هذا الحديث. انتهى.

تنبيه

في هذه الآية ردّ على الدهرية، وهم المعطلة بأن متمسكهم ظن وتخمين.

السابقالتالي
2