الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } * { يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } * { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } * { ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } * { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } * { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ }

{ فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } أي: انتظر لمجازاتهم ذلك اليوم الهائل، ولا يستعمل (الارتقاب) إلا في أمر مكروه.

وللسلف في معنى الدخان ثلاثة أوجه: الأول: قال بعضهم: كان ذلك حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش أن يؤخذوا بسنين كسنين يوسف، فأخذوا بالمجاعة. قالوا: وعنى بالدخان ما كان يصيبهم حينئذ في أبصارهم من شدة الجوع، من الظلمة كهيئة الدخان، روى ابن جرير عن مسروق قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا وهو مضطجع بيننا. فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن قاصاً عند أبواب كندة يقصّ ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام. فقام عبد الله وجلس وهو غضبان، فقال: يا أيها الناس، اتقوا الله. فمن علم شيئاً فليقل بما يعلم, ومن لا يعلم فليقل: (الله أعلم). فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: (الله أعلم) وما على أحدكم أن يقول لما لا يعلم (لا أعلم) فإن الله عز وجل يقول لنبيّه صلى الله عليه وسلم:قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } [ص: 86] إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدباراً قال: " اللهم سبعاً كسبع يوسف " فأخذتهم سَنَةٌ حصّت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف. ينظر أحدهم إلى السماء فيرى دخانا، من الجوع. فأتاه أبو سفيان بن حرب فقال: يا محمد، إنك جئت تأمرنا بالطاعة وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم. قال الله عز وجل: { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } ، إلى قوله: { إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } [الدخان: 15]، قال: فكشف عنهم: { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ } [الدخان: 16] فالبطشة يوم بدر. وقد مضت آية الروم وآية الدخان، والبطشة واللزام.

قال ابن كثير: وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ورواه الإمام أحمد في مسنده وهو عند الترمذيّ والنسائيّ في تفسيرهما، وعند ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق متعددة وقد وافق ابنَ مسعود رضي الله عنه على تفسير الآية بهذا، وأن الدخان مضى جماعةٌ من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعيّ والضحاك وعطية العوفيّ، وهو اختيار ابن جرير.

{ أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } أي: كيف لهم بالتذكر، وقد أرسلنا إليهم رسولاً بين الرسالة والنذارة. ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه. بل كذبوه وقالوا معلّم مجنون. وهذا كقوله جلت عظمته:يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } [الفجر: 23] الآية.

السابقالتالي
2 3 4