الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ }

{ وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ * أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } هذا بيان لضلال لهم آخر، في جدلهم وخصامهم وتعنتهم. وقد استدل المعتزلة بظاهر الآية في أنه تعالى لا يشاء الشرور والمعاصي. وأهل السنة تأوّلوا الآية بما يلاقي العقد الصحيح. وهو عموم مشيئته تعالى لكل شيء، الناطق به غير ما آية. ولما كانت هذه الآية وأخواتها من معارك الأنظار قديماً وحديثاً، آثرت أن أنقل هنا ما لمحققي المفسرين، جرياً على قاعدتنا في التقاط نفائس ما للمتقدم، وتحلية مصنفاتنا بها، فنقول: قال القاشانيّ: لما سمعوا من الأنبياء تعليق الأشياء بمشيئة الله تعالى، افترضوه وجعلوه ذريعة في الإنكار. وقالوا ذلك لا عن علم وإيقان، بل على سبيل العناد والإفحام؛ ولهذا ردّهم الله تعالى بقوله: { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } إذ لو علموا ذلك لكانوا موحدين، لا ينسبون التأثير إلا إلى الله. فلا يسعهم إلا عبادته دون غيره. إذ لا يرون حينئذ لغيره نفعا ولا ضراً { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } لتكذيبهم أنفسهم في هذا القول بالفعل، حين عظموهم وخافوهم وخوّفوا أنبياءهم من بطشهم، كما قال قوم هود:إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } [هود: 54] ولمّا خوّفوا إبراهيم عليه السلام كيدهم، أجاب بقوله:وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً } [الأنعام: 80] إلى قوله:وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ } [الأنعام: 81] انتهى.

وفي البيضاويّ وحواشيه: إن هذا القول استدلال منهم على امتناع النهي عن عبادة غيره تعالى أو على حسنها. يعنون أن عبادتهم الملائكة بمشيئته تعالى. فيكون مأموراً بها أو حسنة. ويمتنع كونها منهياً عنها أو قبيحة. وهذا الاستدلال باطل؛ لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن؛ لأنها ترجيح بعض الممكنات على بعض، حسناً كان أو قبيحاً. ولذلك جهلهم في استدلالهم هذا. والحاصل أن الإنكار متوجه إلى جعلهم ذلك دليلاً على امتناع النهي عن عبادتهم، أو على حسنها لا إلى هذا القول، فإنه كلمة حق أريد به باطل. انتهى.

وقال الناصر في (الانتصاف): نحن معاشر أهل السنة نقول: إن كل شيء بمشيئته تعالى، حتى الضلالة والهدى، اتباعاً لدليل العقل، و تصديقاً لنص النقل. في أمثال قوله تعالى:يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [النحل: 93] وآية الزخرف هذه لا تزيد هذا المعتقد الصحيح إلا تمهيداً، ولا تفيده إلا تصويباً وتسديداً. فنقول: إذا قال الكافر: (لو شاء الله ما كفرتُ) فهذه كلمة حق أراد بها باطلاً، أما كونها كلمة حق، فلما مهّدناه. وأما كونه أراد بها باطلاً، فمراد الكافر بذلك أن يكون له الحجة على الله، توهماً أنه يلزم من مشيئة الله تعالى لضلالة من ضل، أن لا يعاقبه على ذلك.

السابقالتالي
2