الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } * { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }

{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } { أَمْ } منقطعة، فيها معنى (بل والهمزة) ولا بد من سبق كلام، خبراً أو إنشاء، يضرب عنه ويقرر ما بعده. وما سبق قوله:شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } [الشورى: 13] إلخ فهو معطوف عليه، وما بينهما من تتمة الأول. والمراد بشركائهم، إما شياطينهم لأنهم شاركوهم في الكفر وحملوهم عليه، وإما أوثانهم، وإضافتها إليهم لأنهم متخذوها شركاء وإن لم تكن كذلك في الحقيقة. وعلى الثاني، فإسناد الشرع إليها؛ لأنها سبب ضلالهم وافتتانهم بما تدينوا به، أو لأنها على صورة المشّرع الذي سنّ هذه الضلال لهم، ويجوز كون الاستفهام المقدّر حينئذ للإنكار. أي: ليس لهم شرع ولا شارع. كما في قوله:أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا } [الأنبياء: 43].

{ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ } أي: القضاء السابق بأن الجزاء في القيامة لا في الدنيا. أو لولا ما وعدهم الله به من أنه يفصل بينهم ويبيّن في الآخرة. فالفصل بمعنى البيان { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي: لفرغ من الحكم بين الكافرين والمؤمنين، بتعجيل العذاب للكافرين { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * تَرَى ٱلظَّالِمِينَ } أي: يوم البعث { مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ } أي: من السيئات { وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } أي: نازل بهم لا محالة { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ * ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي: لا أسألكم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به، والنصيحة التي أنصحكم، ثوابا وجزاء وعوضا من أموالكم تعطونيه { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي: أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم، وتصلوا الرحم التي بيننا، ولا يكن غيركم، يا معشر قريش، أولى بحفظي ونصرتي ومودتي منكم.

قال الشهاب: المودة مصدر مقدر بـ (أن والفعل). والقربى مصدر كالقرابة. و(في) للسببية. وهي بمعنى اللام لتقارب السبب والعلة. والخطاب، إما لقريش أو لجميع العرب، لأنهم أقرباء في الجملة. انتهى. والاستثناء منقطع. ومعناه نفي الأجر أصلاً؛ لأن ثمرة مودتهم عائدة إليهم؛ لكونها سبب نجاتهم. فلا تصلح أن تكون أجراً له. وقيل: المعنى أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم. وقيل { ٱلْقُرْبَىٰ } التقرّب إلى الله تعالى. أي: إلا أن تتوددوا إلى الله فيما يقربكم إليه. والمعنى الأول هو الذي عوّل عليه الأئمة. ولم يرتض ابن عباس رضي الله عنه، غيره. ففي البخاريّ عنه أنه سئل عن قوله تعالى: { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } فقال سعيد بن جبير: القربى آل محمد. فقال ابن عباس: عجلت. إن النبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة.

السابقالتالي
2 3 4