الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

{ فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ } أي: من جنسكم { أَزْوَاجاً } أي: نساء { وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً } أي أصنافاً مختلفة, أو ذكوراً وإناثاً { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } أي: يكثركم. من (الذرء) وهو البث: يقال: ذرأ الله الخلق, بثهم كثّرهم, وفسر بـ (يخلقكم). وضمير { فِيهِ } للبطن أو الرحم. و قال الزمخشريّ: أي: في هذا التدبير, وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجاً, حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل, والضمير في { يَذْرَؤُكُمْ } يرجع إلى المخاطبين والأنعام، مغلباً فيه المخاطبون العقلاء على الغيّب مما لا يعقل, فإن قلت: ما معنى يذرؤكم في هذا التدبير؟ و هلا قيل: يذرؤكم به؟ قلت: جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير. انتهى.

وقيل (في) مستعارة للسببية { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } قال ابن جرير: فيه وجهان: أحدهما: أن يكون معناه: ليس هو كشيء. وأدخل المثل في الكلام، توكيدا للكلام، لكونهما بمعنى واحد. والآخر: أن يكون معناه: ليس مثله شيء, وتكون الكاف هي المدخلة في الكلام. انتهى.

وبقي ثالث وهو أن المثل بمعنى الصفة, أي: ليس كصفته صفة, ورابع: وهو ما عول عليه المحققون - أن المراد من (مِثْلِهِ) ذاته, كما في قولهم: مثلك لا يبخل, على قصد المبالغة في نفيه عنه, فإنه إذا نفي عمن يناسبه, كان نفيه عنه أولى, ثم سلكت هذه الطريقة في شأن من لا مثل له سبحانه - ووجه المبالغة أن الكناية من باب دعوى الشيء ببيّنة, وقد بينت الكناية في الآية بوجه آخر أشار إليه الشُّمُنِّيّ, وهو أنه نفي للشيء بنفي لازمه؛ لأن نفي اللازم يستلزم نفي الملزوم, كما يقال: ليس لأخي زيد أخ. فأخو زيد ملزوم, والأخ لازمه, لأنه لا بد لأخي زيد من أخ هو زيد, فنُفِيَ هذا اللازم, والمراد نفي ملزومه, أي: ليس لزيد أخ. إذ لو كان له أخ لكان لذلك الأخ أخ, هو زيد. فكذا نفي أن يكون لمثل الله مثل, و المراد نفي مثله تعالى - إذ لو كان له مثل, لكان هو تعالى مثل مثله, لتحقق المماثلة من الجانبين فلا يصح نفي مثله (أي نفي مثل ذلك المثل) وبالجملة، فأطلق نفي مثل المثل، وأريد لازمه من نفي المثل. قال بعض الأفاضل: طالما كنت أجد في نفسي من هذا شيئاً. وذلك أن محصل هذا أن نفي المثل لازم لحقيقة الآية. وقد تقرر أولا أنها تقتضى إثباته. ولذا أوّلوها بالأوجه المذكورة. فكيف يعقل أن إثبات الشيء ونفيه يلزمان معاً لشيء واحد؟ مع تصريحهم بأن تنافي اللوازم يقتضي تنافي الملزومات، وبفرض صحة أن كلا منهما لازم لها، فقصرها على هذا دون ذاك تحكم.

السابقالتالي
2 3 4