الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }

{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } أي: يتولونهم، مع أنه لا ولاية لهم في الحقيقة، إذ لا قدرة ولا قوة { فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ } أي: هو الذي يجب أن يتولى وحده، ويعتقد أنه المولى والسيد دون غيره، لتوليه سبحانه كل شيء، وسلطانه وحكمه. والفاء جواب شرط مقدر. كأنه قيل بعد إنكار كل وليّ سواه: إن أرادوا ولياً بحق، فالله هو الوليّ بالحق، لا وليّ سواه { وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي: هو المحي القادر، فكيف تستقيم ولاية غيره.

وقوله تعالى: { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } تمهيد لما يأتي بعد، من الأمر بإقامة الدين وعدم التفرق فيه، الذي هو وصية الله تعالى لأنبيائه، وشرعته لخلقه، وتنبيه على أن خلاف من خالف من المشركين والكافرين، إنما مردّه إلى الله تعالى وحكمه وقضائه، أنه لا دين إلا دينه، ولا عبادة إلا عبادته، ولا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه, والقصد: الرد على مشركي مكة وأمثالهم، في تشريعهم ما لم يأذن به الله، وتحكيمهم إتباع الآباء وأفانين الأهواء. فإن السورة مكية، ومع ذلك، فتدل الآية على أن ما اختلف فيه المختلفون وتنازعوا في شيء من الخصومات، يجب أن يكون التحاكم فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألا يوثر على حكومته حكومة غيره. كقوله تعالى:فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } [النساء: 59] وتدل أيضاً على الرجوع إلى المحكم من كتاب الله، والظاهر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا اختلفوا في تأويل آية واشتبه عليهم. وعلى تفويض ما لم تصل إلي دركه العقول، إلى الله تعالى، بأن يقال: الله أعلم. كما في قوله:وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [الإسراء: 85].

وقوله: { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي } بتقدير (قل) أو هو حكاية لقوله صلى الله عليه وسلم. أي: الذي هذه الصفات صفاته، ربِّي لا آلهتكم التي تدعون من دونه، التي لا تقدر على شيء { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } أي: في أموري كلها { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي: أرجع في المعاد، أو من الذنوب، أو في الأمور المعضلة.