الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }

{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي: لا أحد أحسن مقالاً ممن دعا الناس إلى عبادته تعالى، وكان من الصالحين المؤتمرين، والمسلمين وجوههم إليه تعالى في التوحيد.

لطائف

الأولى: قال القاشاني: وإنما قدم الدعوة إلى الحق والتكميل، لكونه أشرف المراتب ولاستلزامه الكمال العلمي والعملي، وإلا لما صحت الدعوة. انتهى.

الثانية: في الآية إشارة إلى ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الإعراض عن المشركين، وعما كانوا يقولونه من اللغو في التنزيل، مما قصه تعالى عنهم فيما تقدم. وإرشاده إلى المواظبة على التبليغ، والدعوة، بيان أن ذلك أحسن الطاعات ورأس العبادات، فهذا هو سر انتظام هذه الآية في إثر ما سبق. وثمة وجه آخر. وهو أن مراتب السعادات اثنان: كامل وأكمل. أما الكامل فهو أن يكتسب من الصفات الفاضلة ما لأجلها يصير كاملاً في ذاته. فإذا فرغ من هذه الدرجة، اشتغل بعدها بتكميل الناقصين. فقوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [فصلت: 30]، إشارة إلى المرتبة الأولى. وهي اكتساب الأحوال التي كمال النفس في جوهرها، فإذا حصل الفراغ من هذه المرتبة، وحب الانتقال إلى المرتبة الثانية، وهي الانتقال بتكميل الناقصين، وذلك إنما يكون بدعوة الخلق إلى الدين الحق، وهو المراد من قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً } الآية.

واعلم أن من آتاه الله قريحة قوية، ونصيباً وافياً من العلوم الإلهية، عرف أنه لا ترتيب أحسن ولا أكمل من ترتيب آيات القرآن، أفاده الرازيّ.

الثالثة: يدخل في الآية كل من دعا إلى الله تعالى بطريق من الطرق المشروعة، وسبيل من السبل المأثورة؛ لأن الدعوة الصحيحة هي الدعوة النبوية، ثم ما انتهج منهجها في الصدع بالحق، وإيثاره على الخلق.

الرابعة: في الآية دليل على وجوب الدعوة إلى الله تعالى - على ما قرره الرازي - لأن الدعوة إلى الله أحسن الأعمال، وكل ما كان أحسن الأعمال، فهو واجب.

الخامسة: احتج من جوز قول: (أنا مسلم) بدون تعليق على المشيئة، بهذه الآية. وقال: إطلاقها يدل على أن ذلك هو الأولى، والمسألة معروفة بسطها الغزالي في (الإحياء).

وللإمام ابن حزم في (الفصل) تحقيق لطيف لا بأس بإيراده. قال رحمه الله: اختلف الناس في قول المسلم: (أنا مؤمن) فروينا عن ابن مسعود وجماعة من أصحابه الأفاضل ومن بعده من الفقهاء، أنه كره ذلك. وكان يقول: (أنا مؤمن إن شاء الله) وقال بعضهم: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله. وكانوا يقولون: من قال: أنا مؤمن، فليقل إنه من أهل الجنة.

ثم قال ابن حزم: والقول عندنا في هذه المسألة: أن هذه صفة يعلمها المرء من نفسه.

السابقالتالي
2