الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

{ دَرَجَاتٍ مِّنْهُ } بدل من (أَجْراً) بدل الكل، مبيّن لكمية التفضيل و { مِّنْهُ } متعلق بمحذوف وقع صفة لـ { دَرَجَاتٍ } دالة على فخامتها وجلالة قدرها، قاله أبو السعود.

وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ".

وقال الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " من رمى بسهم فله أجره درجة " ، فقال رجل: يا رسول الله! وما الدرجة؟ فقال: " أما إنها ليست بعتبة أمك: ما بين الدرجتين مائة عام " { وَمَغْفِرَةً } أي: لذنوبهم { وَرَحْمَةً } فوق الأجر ودرجاته { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } تذييل مقرر لما وعد من المغفرة والرحمة، وههنا.

فوائد:

الأولى: دلت الآية على أن الجهاد ليس بفرض عين، إذ لو كان فرضاً من فروض الأعيان لم يكن للقاعد فضل، ولكن تفاوت الفضل بينه وبين المجاهد، وقال: وكلاً وعد الله الحسنى.

الثانية: دلت أيضاً على أن الجهاد أفضل من القرب التي يفعلها القاعد، لأنه فضّله على القاعد مطلقاً، ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: " الجهاد سنام الدين " وقد فرّع العلماء على هذا أن رجلاً لو وقف ماله على أحسن وجوه البر، أو أوصى أن يصرف في أحسن وجوه البّر، فإنه يصرف في الجهاد، خلاف ما ذكر أبو عليّ أنه يصرف في طلب العلم، كذا في بعض التفاسير.

الثالثة: قال السيوطيّ في (الإكليل): في الآية تفضيل المجاهدين على غيرهم، وأن المعذورين في درجة المجاهدين، واستدل بقوله { بِأَمْوَٰلِهِمْ } على تفضيل المجاهدين بمال نفسه على المجاهد بمال يعطاه من الديون أو نحوه.

الرابعة: قال الرازيّ: لقائل أن يقول: إنه تعالى قال:إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } [التوبة: 111] فقدم ذكر النفس على المال، وفي الآية التي نحن فيها وهي قوله:ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } [النساء: 95] قدم ذكر المال على النفس، فما السبب؟ وجوابه: أن النفس أشرف من المال، فالمشتري قدم ذكر النفس تنبيهاً على أن الرغبة فيها أشد، والبائع أخر ذكرها تنبيهاً على أن المضايقة فيها أشد، فلا يرضى ببذلها إلا في آخر المراتب.

الخامسة: قال أبو السعود: لعل تكرير التفضيل بطريق العطف المنبئ عن المغايرة، وتقييده بدرجة وأخرى بدرجات، مع اتحاد المفضل والمفضل عليه، حسبما يقتضيه الكلام ويستدعيه حسن النظام - إما لتنزيل الاختلاف العنوانيّ بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات منزلة الاختلاف الذاتيّ تمهيداً لسلوك طريق الإبهام، ثم التفسير رَوماً لمزيد التحقيق والتقرير، كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2