الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ } أي: ذهبتم { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } إلى أرض العدوّ للغزو { فَتَبَيَّنُواْ } أي: اطلبوا بيان كل ما تأتون وما تذرون، ولا تعجلوا فيه بغير تدبر وروية { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً } نهي عما هو نتيجة لترك المأمورية، وتعيين لمادة مهمة من المواد التي يجب فيها التبيين، أي: لا تقولوا (لمن أظهر الانقياد لدعوتكم فقال: لا إله إلا الله، أو سلّم عليكم فحياكم بتحية الإسلام): لست مؤمناً في الباطن، وإنما قلته باللسان لطلب الأمان، بل اقبلوا منه ما أظهره وعاملوه بموجبه { تَبْتَغُونَ } أي: تطلبون بقتله { عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } أي: ماله الذي هو سريع النفاد، والجملة حال من فاعلٍ { لاَ تَقُولُواْ } منبئة عما يحملهم على العجلة وترك التأنيّ. وقوله تعالى: { فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ } تعليل للنهي عن ابتغاء ماله بما فيه من الوعد الضمنيّ، كأنه قيل: لا تبتغوا ماله، فعند الله مغانم كثيرة يغنمكموها، فيغنيكم عن ارتكاب ما ارتكبتموه، أفاده أبو السعود.

ثم قال: وقوله تعالى: { كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ }: تعليل للنهي عن القول المذكور، أي: مثل ذلك الذي ألقى إليكم السلام، كنتم أنتم أيضاً، في مبادئ إسلامكم، لا يظهر منكم للناس غير ما ظهر منه لكم، من تحية الإسلام ونحوها، فمنّ الله عليكم، بأن قبل منكم تلك المرتبة، وعصم بها دماءكم وأموالكم، ولم يأمر بالتفحص عن سرائركم. والفاء في قوله تعالى: { فَتَبَيَّنُواْ } فصيحة، أي: إذا كان الأمر كذلك، فاطلبوا بيان هذا الأمر البيّن وقيسوا حاله بحالكم، وافعلوا به ما فعل بكم، في أوائل أموركم، من قبول ظاهر الحال، من غير تواطؤ الظاهر والباطن { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } فلا تتهافتوا في القتل وكونوا محترزين محتاطين في ذلك.

قال ابن كثير (في سبب نزولها): أخرج الإمام أحمد عن عكرمة عن ابن عباس قال: مرّ رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرعى غنماً له، فسلم عليهم، فقالوا: ما يسلم علينا إلا ليتعوذ منا، فعمدوا إليه فقتلوه، وأتوا بغنمه النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ... } إلى آخرها، ورواه الترمذيّ ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أسامة بن زيد.

رواه الحاكم وصححه، وروى البخاري عن عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال: كان رجل في غنيمة له، فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم، فقتلوه، وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك... إلى قوله: { عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا }: (تلك الغنيمة).

وقال البخاري: قال حبيب بن أبي عمرة عن سعيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد:

السابقالتالي
2 3 4 5