الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } أي: ما جاز ولا صح ولا لاق لمؤمن قتل أخيه المؤمن، فإن الإيمان زاجر عن ذلك، إلا على وجه الخطأ، فإنه ربما يقع لعدم دخول الاحتراز بالكلية تحت الطاقة البشرية. قال الزمخشري: فإن قلت: بِمَ انتصب خطأ؟ قلت: بأنه مفعول له: أي: ما ينبغي له أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده، ويجوز أن يكون حالاً، بمعنى لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ، وأن يكون صفة للمصدر: إلا قتلاً خطأ، والمعنى: إن من شأن المؤمن أن ينتفي عنه وجود قتل المؤمن ابتداء، ألبتة، إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد، بأن يرمي كافراً فيصيب مسلماً، أو يرمي شخصاً على أنه كافر فإذ اهو مسلم. انتهى. { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً } أي: بما ذكرنا، فهو، وإن عفي عنه، لكنه لا يخلوا عن تقصير في حق الله، ولا يهدر دم المؤمن بالكلية { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } أي: فالواجب عليه، لحق الله، إعتاق نفس محكوم عليها بالإيمان، ولو صغيرة، ليعتق الله عنه بكل جزء منها جزءاً من النار. وقد روى الإمام أحمد عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهريّ عن عبيد الله بن عبد الله عن رجل من الأنصار، " أنه جاء بأمَة سوداء، فقال: يا رسول الله! إن عليّ عتق رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ ". قالت: نعم. قال: " أتشهدين أني رسول الله؟ " قالت: نعم. قال " أتؤمنين بالبعث بعد الموت ". قالت: نعم. قال " أعتقها " وهذا إسناد صحيح وجهالة الصحابيّ لا تضرّه.

وفي موطأ مالك ومسند الشافعيّ وأحمد وصحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي عن معاوية بن الحكم " أنه لما جاء بتلك الجارية السوداء، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أين الله؟ " قالت: في السماء. قال: " من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أعتقها فإنها مؤمنة " أفاده ابن كثير.

لطيفتان

الأولى: قال الزمخشري: التحرير: الإعتاق، والحر والعتيق: الكريم، لأن الكرم في الأحرار، كما أن اللؤم في العبيد، ومنه عتاق الخليل وعتاق الطير لكرامها وحُرّ الوجه أكرم موضع منه، وقولهم للئيم: عبد، وفلان عبد الفعل، أي: لئيم الفعل، والرقبة عبارة عن النسمة، كما عبر عنها بالرأس في قولهم: فلان يملك كذا رأساً من الرقيق.

الثانية: قيل في حكمة الإعتاق: إنه لما أخرج نفساً مؤمنة من جملة الأحياء، لزمه أن يدخل نفساً مثلها في جملة الأحرار، لأن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها، من قِبَل أن الرقيق ملحق بالأموات، إذ الرق من آثار الكفر، والكفر موت حكماً:

السابقالتالي
2 3 4 5