الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }

{ سَتَجِدُونَ } أقواماً: { آخَرِينَ يُرِيدُونَ } بإظهار الإسلام لكم { أَن يَأْمَنُوكُمْ }: أي: على أنفسهم { وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ } بإظهار الكفر { كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ } أي: دعوا إلى الارتداد والشرك: { أُرْكِسُواْ فِيِهَا } أي: رجعوا إليها منكوسين على رؤوسهم { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ } أي: يتنحوا عنكم جانباً، بأن لم يكونوا معكم ولا عليكم. { وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } أي: ولم يلقوا الانقياد { وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ } أي: عن قتالكم { فَخُذُوهُمْ } أي: اتَّسِرُوهُم { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } أي: وجدتموهم في داركم أو دارهم { وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } أي: حجة واضحة في الإيقاع بهم قتلاً وسبياً، لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم في الكفر والغدر، وإضرارهم بأهل الإسلام، أو تسلطاً ظاهراً، حيث أذنّا لكم في أخذهم وقتلهم.

تنبيهان

الأول: قال ابن كثير: هؤلاء الآخرون، في الصورة الظاهرة، كمن تقدمهم. ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك، فإن هؤلاء قوم منافقون يظهرون للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الإسلام، ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريّهم، ويصانعون الكفار في الباطن، فيعبدون معهم ما يعبدون، ليأمنوا بذلك عندهم، وهم في الباطن مع أولئك، كما قال تعالى:وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ } [البقرة: 14] الآية. وحكى ابن جرير عن مجاهد؛ أنها نزلت في قوم من أهل مكة، كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيُسلمون رياء، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا، فأمر بقتلهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا.

الثاني: قال الرازيّ: قال الأكثرون: في الآية دلالة على أنهم إذا اعتزلوا قتالنا وطلبوا الصلح منا وكفوا أيديهم عن إيذائنا، لم يجز لنا قتالهم ولا قتلهم، ونظيره قوله تعالى:لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ } [الممتحنة: 8]، وقوله تعالى:وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } [البقرة: 190]، فخص الأمر بالقتال لمن يقاتلنا دون من لم يقاتلنا.