الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }

{ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ } أي: إذا سلم عليكم فدعى لسلامة حياتكم وصفاتكم التي بها كمال الحياة بتحية، فقيل: السلام عليكم { فَحَيُّواْ } أي: أداءً لحق المسلَّم عليكم { بِأَحْسَنَ مِنْهَآ } أي: بتحية أحسن منها، بأن تقولوا: وعليكم السلام ورحمة الله، ولو قالها المسلَّم، زيد: وبركاته. قال الراغب: أصل التحية الدعاء بالحياة وطولها، ثم استعملت في كل دعاء، وكانت العرب إذا لقي بعضهم بعضاً، يقول: حيّاك الله، ثم استعملها الشرع في السلام، وهي تحية الإسلام، قال الله تعالى:تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } [إبراهيم: 23]، وقال:تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } [الأحزاب: 44] وقال:فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [النور: 61]، قالوا: في السلام مزية على (حياك) لما أنه دعاء بالسلامة عن الآفات الدينية والدنيوية، وهي مستلزمة لطول الحياة، وليس في الدعاء بطول الحياة ذلك، ولأن السلام من أسمائه تعالى، فالبداءة بذكره مما لا ريب في فضله ومزيته { أَوْ رُدُّوهَآ } أي: أجيبوها بمثلها، ورد السلام ورجعه: جوابه بمثله، لأن المجيب يرد قول المسلم ويكرره { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } أي: فيحاسبكم على كل شيء من أعمالكم التي من جملتها ما أمرتم به من التحية، فحافظوا على مراعاتها حسبما أمرتم به.

وفي الآية فوائد شتى:

الأولى: نكتة نظمها مع آيات الجهاد هو التمهيد لمنع المؤمنين من قتل من ألقى إليهم السلام في الحرب الآتي قريبا، ببيان أن لكل مسلَّم حقا يؤدى إليه، وذلك لأن السلام نوع من الإكرام، والمكرم يقابل بمثل إكرامه أو أزيد. قال الرازيّ: إن الرجل في الجهاد كان يلقاه الرجل في دار الحرب أو ما يقاربها فيسلم عليه، فقد لا يلتفت إلى سلامه عليه ويقتله، وربما ظهر أنه كان مُسْلِماً، فمنع الله المؤمنين عنه، وأمرهم أن كل من يسلّم عليهم ويكرمهم بنوع من الإكرام يقابلونه بمثل ذلك الإكرام أو أزيد، فإنه إن كان كافراً لا يضر المسلم، إن قابل إكرام ذلك الكافر بنوع من الإكرام، أما إن كان مسلماً، وقَتَلَهُ، ففيه أعظم المضار والمفاسد. ولذا قال: { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } [النساء: 86]. أي: هو محاسبكم على كل أعمالكم، وكافٍ في إيصال جزاء أعمالكم إليكم، فكونوا على حذر من مخالفة هذا التكليف، فهذا يدل على شدة العناية بحفظ الدماء، والمنع من إهدارها. وقد روى ابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عباس قال: من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه، وإن كان مجوسيّاً ذلك بأن الله يقول: { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ }. وقال قتادة: فحيوا بأحسن منها، يعني للمسلمين، أو ردوها، يعني: لأهل الذمة، ومن هنا حكى الماوردي وجها: إنه يقول في الرد على أهل الذمة، إذا ابتدؤوا: وعليكم السلام، ولا يقول: ورحمة الله نقله عنه النووي.

السابقالتالي
2 3 4 5