الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً }

{ مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً } أي: يتوسط في أمر فيترتب عليه خير من دفع ضر، أو جلب نفع، ابتغاءً لوجه الله تعالى، ومنه حمل المؤمنين على قتال الكفار { يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا } وهو ثواب الشفاعة والتسبب إلى الخير الواقع بها { وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً } وهي ما كانت بخلاف الحسنة، بأن كانت في أمر غير مشروع { يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا } أي: نصيب من وزرها الذي ترتب على سعيه، مساوٍٍ لها في المقدار من غير أن ينقص منه شيء.

فوائد

الأولى: قال السيوطيّ في (الإكليل): في الآية مدح الشفاعة وذم السعاية. وهي الشفاعة السيئة، وذكر الناس عند السلطان بالسوء، وهي معدودة من الكبائر.

الثانية: روي في فضل الشفاعة أحاديث كثيرة، منها ما أخرجه الشيخان عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: " اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب " وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة بَريرة وزوجها قال: " قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " لو راجعتِهِ "! قالت: يا رسول الله! تأمرني؟ قال: " إنما أنا أشفع " ، قالت: لا حاجة لي فيه " ، رواه البخاريّ.

الثالثة: قال مجاهد والحسن والكلبيّ وابن زيد: نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض، فما يجوز في الدين أن يشفع فيه، فهو شفاعة حسنة، وما لا يجوز أن يشفع فيه، فهو شفاعة سيئة. ثم قال الحسن: من يشفع شفاعة حسنة كان له فيها أجر، وإن لم يشفَّع، لأن الله تعالى يقول: { وَمَن يَشْفَعْ } ، ولم يقل: من يشفّع، ويتأيد هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: " اشفعوا تؤجروا " ، نقله الرازيّ.

الرابعة: قال الزمخشري: الشفاعة الحسنة هي التي روعي بها حق مسلم، ودفع بها عنه شر، أو جلب إليه خير، وابتغي بها وجهُ الله، ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز، لا في حد من حدود الله، ولا في حق من الحقوق، يعني الواجبة عليه، والسيئة ما كان بخلاف ذلك، وعن مسروق: أنه شفع شفاعة، فأهدى إليه المشفوع جاريةً فغضب وردها، وقال: لو علمتُ ما في قلبك لما تكلمت في حاجتك، ولا أتكلم فيما بقي منها. انتهى.

وروى أبو داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من شفع لأخيه بشفاعة، فأهدى له هدية عليها، فقبلها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الكبائر " وهذا الحديث أورده أيضاً المنذريّ في (كتاب الترغيب والترهيب) في ترجمة (الترغيب في قضاء حوائج المسلمين وإدخال السرور عليهم، وما جاء فيمن شفع فأهدي إليه) ثم ساق حديث الشيخين وغيرهما عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2