الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً }

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ } وهم المؤمنون عند استئذانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال، قبل أن يؤمروا به { كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ } أي: عن القتال، فإنكم لم تؤمروا به { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ } أي: أتموا الصلوات الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها، وما يجب فيها من مواقيتها، وأعطوا زكاة أموالكم { فَلَمَّا كُتِبَ } أي: فرض { عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ } أي: الجهاد في سبيل الله حين قوي حالهم { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } أي: طائفة منهم وهم المنافقون، وإدخالهم مع المؤمنين لما كانوا يظهرونه من أنفسهم أنهم منهم { يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ } أي: يخافون أهل مكة الكفار أن يقتلوهم { كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ } أي: كما يخشون الله أن ينزل عليهم بأسه { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } أي: أكثر خوفاً منه.

فإن قيل: ظاهر قوله: { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } يوهم الشك، وذلك على علام الغيوب محال، أجيب: بأن { أَوْ } إما بمعنى (بل) أو هي للتنويع على أن معنى: أن خشية بعضهم كخشية الله، وخشية بعضهم أشد منها، أو للإبهام على السامع، بمعنى أنهم على إحدى الصفتين من المساواة والشدة، وهو قريب مما في قوله تعالى:وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [الصافات: 147] يعني أن من يبصرهم يقول: إنهم مائة ألف أو يزيدون.

تنبيه

حكى المفسرون هنا رواية عن ابن عباس، أن هذه الآية نزلت في جماعة من الصحابة المهاجرين وأنهم كانوا يلقون من مشركي مكة، قبل الهجرة، أذى شديداً، فيشكون ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون: ائذن لنا في قتالهم، فيقول لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم: " كفوا أيدكم، فإني لم أومر بقتالهم، واشتغلوا بإقامة دينكم من الصلاة والزكاة " ، ثم بعد الهجرة إلى المدينة، لما أمروا بقتالهم في وقعة بدر، كرهه بعضهم، فنزلت الآية.

وعندي: أن هذه الآية كسوابقها نزلت في المنافقين، تقريعاً لهم وتحذيراً للمخلصين، من شاكلتهم، والقول بنزولها في بعض المؤمنين لا يصح لوجوه: منها - أن في إسنادها عن ابن عباس من ليس على شرط الصحيح. ومنها - أن طلبهم للجهاد وهم في مكة، مع قلة العدَد والعُدَد، وممالأة العدوّ عليهم من كل جانب - في غاية البعد. ومنها - أن السياق في المنافقين: وقد ابتدئ الكلام في شأنهم من قوله تعالى:أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ } [النساء: 60] - إلى قوله تعالى الآتي -:فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ... } [النساء: 89] الآية، كما يظهر من التدبر الصادق ومنها - أن هذا السياق اشتمل على أمور تدل على أنها مختصة بالمنافقين، لأنه تعالى قال في وصفهم: { يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً }.

السابقالتالي
2