الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً }

{ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } خطاب للمأمورين بالقتال، على طريقة الالتفات، مبالغة في التحريض عليه، وتأكيداً لوجوبه. وقوله تعالى: { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } مجرور، عطفاً على اسم الله، أي: في سبيل المستضعفين الذين هم كأنفسكم، وهو تخليصهم من الأسر وصونهم عن العدو، أو على السبيل، بحذف المضاف، أي: في خلاص المستضعفين، أو منصوب على الاختصاص، يعني: وأختص من سبيل الله خلاص المستضعفين، لأن سبيل الله عام في كل خير، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصّه.

قال في (الانتصاف): وفي النصب مبالغة في الحث على خلاصهم من جهتين:

إحدهما: التخصيص بعد التعميم، فإنه يقتضي إضمار الناصب الذي هو أختص، ولولا النصب لكان التخصيص معلوماً من إفراده بالذكر، ولكن أكد هذا المعلوم بطريق اللزوم، بأن أخرجه إلى النطق. { مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ } بيان للمستضعفين، أو حال منهم، وهم المسلمون الذين صدّهم المشركون عن الهجرة، فبقوا بمكة مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو لهم فيقول: " اللهم! أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين " ، كما في الصحيح.

وإنما ذكر { ٱلْوِلْدَٰنِ } معهم، تكميلاً للاستعطاف واستجلاب المرحمة، وتنبيهاً على تناهي ظلم المشركين، بحيث بلغ أذاهم الصبيان، وإيذاناً بإجابة الدعاء الآتي بسبب مشاركتهم في الدعاء { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ } من إيذاء أهل مكة وإذلالهم إياهم، متبرئين من المقام بها { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا } أي: بالشرك الذي هو ظلم عظيم، وبأذية المسلمين، وهي مكة، و { ٱلظَّالِمِ } صفتها، وتذكيره لتذكير ما أسند إليه، فإن اسم الفاعل والمفعول إذا أُجري على غير من هو له، كان كالفعل في التذكير والتأنيث، بحسب ما عمل فيه، قاله أبو السعود. { وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } أي: سخر لنا من عندك حافظاً يحفظ علينا ديننا { وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً } ناصراً يدفع عنا أذِيّاتِ أعدائنا، أو المعنى: واجعل لنا من لدنك ولاية ونصرة، أي: لتكن أنت ولينا وناصرنا، وقد استجاب الله عز وجل دعائهم حيث يسرّ لبعضهم الخروج إلى المدينة، وجعل لمن بقي منهم خير وليّ وأعزّ ناصر، ففتح مكة على نبيه صلى الله عليه وسلم، فتولاهم أيَّ تولٍ، ونصرهم أية نصرة، حتى صاروا أعزّ أهلها.

وروى البخاريّ بالسند إلى ابن عباس قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، وبه إليه قال: كانت أمي ممن عذر الله.

قال الرازيّ: معنى الآية: لا عذر لكم في ترك المقاتلة، وقد بلغ حال المستضعفين من المسلمين إلى ما بلغ في الضعف، فهذا حث شديد على القتال، وبيان العلة التي صار لها القتال واجباً، وهو ما في القتال من تخليص هؤلاء المؤمنين من أيدي الكفرة، لأن هذا الجمع إلى الجهاد يجري مجرى فكاك الأسير.

السابقالتالي
2