الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً }

{ ذٰلِكَ } مبتدأ، إشارة إلى ما للمطيعين من الأجر ومزيد الهداية ومرافقة المنعم عليهم، أو إلى فضل هؤلاء المنعم عليهم ومزيتهم، فالمشار إليه إما جميع ما قبله أو ما يليه. { ٱلْفَضْلُ } صفة { مِنَ ٱللَّهِ } خبره، أي: ذلك الفضل العظيم من الله تعالى لا من غيره، أو { ٱلْفَضْلُ } خبر، { مِنَ ٱللَّهِ } حال، والعامل فيه معنى الإشارة، أي: ذلك الثواب، لكمال درجته، كأنه هو الفضل، وإن ما سواه ليس بشيء موجوداً وكائناً من الله تعالى، لا أن أعمال المكلفين توجبه.

قال الناصر في (الانتصاف): معتقدنا، معاشر أهل السنة، أن الطاعات والأعمال التي يتميز بها هؤلاء الخواص، خلقُ الله تعالى وفعله، وإن قُدَرَهم لا تأثير لها في أعمالهم، بل الله عز وجل يخلق على أيديهم الطاعات ويثيبهم عليها، فالطاعة إذاً من فضله، فله الفضل على كل حال، والمنة في الفاتحة والمآل، وكفى بقول سيد البشر في ذلك حجة وقدوة: فقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام: " " لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله " قيل: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: " ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل منه وبرحمة ". قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58]، اللهم! اختم لنا باقتفاء السنة، وأدخلنا بفضلك المحض الجنة. انتهى كلام الناصر. والحديث المذكور أخرجه الشيخان عن أبي هريرة: { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } بجزاء من أطاعه وبمقادير الفضل واستحقاق أهله.

قال الرازيّ: وله موقع عظيم في توكيد ما تقدم من الترغيب في طاعة الله، لأنه تعالى نبه بذلك على أنه يعلم كيفية الطاعة وكيفية الجزاء والتفضل، وذلك مما يرغب المكلف في كمال الطاعة، والاحتراز عن التقصير فيه، ثم أعاد تعالى، بعد الترغيب في طاعته وطاعة رسوله، الأمر بالجهاد الذي تقدم، لأنه أشق الطاعات وأعظم الأمور التي يحصل بها تقوية الدين، فقال سبحانه:

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ... }.