الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً }

{ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } ولم يذكر المنعَم به إشعاراً بقصور العبارة عن تفصيله وبيانه { مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ } الذين أنبأهم الله أكمل الاعتقادات والأحكام، وأمرهم بإنبائها الخلق، كلاً بمقدار استعداده { وَٱلصِّدِّيقِينَ } (جمع صديق) وهو المبالغ في صدق ظاهره بالمعاملة، وباطنه بالمراقبة، أو الذي يصدق قوله بفعله. كذا في (المدارك).

قال الرازي: للمفسرين في الصديق وجوه: الأول: أن كل من صدق بكل الدين لا يتخالجه فيه شك فهو صديق، والدليل عليه قوله تعالى:وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ } [الحديد: 19] الثاني: قال قوم: الصديقون أفاضل أصحاب النبيّ عليه الصلاة والسلام. الثالث: أن الصديق اسم لمن سبق إلى تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام فصار في ذلك قدوة لسائر الناس، وإذا كان الأمر كذلك كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أولى الخلق بهذا الوصف ثم جوّد الرازيّ الكلام في سبقه رضي الله عنه إلى التصديق وفي كونه صار قدوة للناس في ذلك، فانظره. { وَٱلشُّهَدَآءِ } الذين استشهدوا في سبيل الله تعالى { وَٱلصَّالِحِينَ } الذين صلحت أحوالهم وحسنت أعمالهم { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ } إشارة إلى النبيين والصديقين وما بعدهما { رَفِيقاً } يعني في الجنة، والرفيق: الصاحب، سمي رفيقاً لارتفاقك به وبصحبته، وإنما وحدّ (الرفيق) وهو صفة الجمع، لأن العرب تعبّر به عن الواحد والجمع، كالصديق والخليط، والجملة تذييل مقرر لما قبله، مؤكد للترغيب والتشويق.

قال الزمخشريّ: فيه معنى التعجب، كأنه قيل: وما أحسن أولئك رفيقاً! ولاستقلاله بمعنى التعجب قرئ " وحسْن " بسكون السين.

تنبيهات

الأول: قال الرازيّ: ليس المراد بكون من أطاع الله وأطاع الرسول مع النبيين والصديقين... إلخ - كون الكل في درجة واحدة، لأن هذا يقتضي التسوية في الدرجة بين الفاضل والمفضول، وأنه لا يجوز، بل المراد كونهم في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر، وإن بعد المكان، لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضاً، وإذا أرادوا الزيادة والتلاقي قدروا عليه، فهذا هو المراد من هذه المعية.

الثاني: دلت الآية على أنه لا مرتبة بعد النبوة في الفضل والعلم إلا هذا الوصف، وهو كون الإنسان صديقاً، ولذا أينما ذكر في القرآن الصديق والنبي لم يجعل بينهما واسطة. كما قال تعالى في وصف إسماعيل:إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ } [مريم: 54]، وفي صفة إدريس:إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } [مريم: 56]، وقال في هذه الآية: { مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ } يعني: إنك إن ترقيت من الصديقية وصلت إلى النبوة، وإن نزلت من النبوة وصلت إلى الصديقية، ولا متوسط بينهما، وقال في آية أخرى:وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [الزمر: 33]، فلم يجعل بينهما واسطة، وكما دلت هذه الدلائل على نفي الواسطة، فقد وفق الله هذه الأمة الموصوفة بأنها خير أمة، حتى جعلوا الإمام بعد الرسول عليه الصلاة والسلام أبا بكر، على سبيل الإجماع، ولما توفي رضوان الله عليه دفنوه إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا أن الله تعالى رفع الواسطة بين النبيين والصديقين في هذه الآية، فلا جرم ارتفعت الواسطة بينهما في الوجوه التي عددناها، أفاده الرازي.

السابقالتالي
2 3