الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } في السر ولا يستحقون اسم الإيمان في السر { حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ } يجعلوك حاكماً ويترافعوا إليك: { فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } أي: فيما اختلف بينهم من الأمور والتبس { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ } في قلوبهم: { حَرَجاً } أي: ضيقاً { مِّمَّا قَضَيْتَ } بينهم { وَيُسَلِّمُواْ } أي: ينقادوا لأمر ويذعنوا لحكمك { تَسْلِيماً } تأكيد للفعل، بمنزلة تكريره، أي: تسليماً تامّاً بظاهرهم وباطنهم من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث: " والذي نفسي بيده! لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ".

تنبيهات

الأول: روى البخاريّ عن الزهريّ عن عروة قال: خاصم الزبير رجلاً في شراج الحرة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " " اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك " ، فقال الأنصاري: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " اسق يا زبير، ثم احبس الماء، حتى يرجع إلى الجَدْر، ثم أرسل الماء إلى جارك " واستوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة. قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ }.

قال ابن كثير: هكذا رواه البخاري في (كتاب التفسير) في (صحيحه) من حديث معمر، وفي كتاب (المساقاة) من حديث ابن جريج ومعمر أيضاً، وفي كتاب (الصلح) من حديث شعيب بن أبي حمزة، ثلاثتهم عن الزهريّ عن عروة فذكره، وصورته الإرسال وهو متصل في المعنى، وقد رواه الإمام أحمد من هذا الوجه فصرّح بالإرسال فقال: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبُ عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير أن الزبير كان يحدث أنه كان يخاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدراً، إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحَرّة، كان يستقيان بها كلاهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير: " " اسق، ثم أرسل الماء إلى جارك " ، فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال للزبير: " اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر " فاستوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، قبل ذلك، أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم، استوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم.

قال عروة: فقال الزبير: والله! ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد