الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً }

{ أُولَـٰئِكَ } إشارة إلى المنافقين { ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من النفاق والميل إلى الباطل وإن أظهروا إسلامهم وعذرهم بحلفهم { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي: لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم ولا تزد على كفهم، بالموعظة والنصيحة عما هم عليه { وَعِظْهُمْ } أي: ازجرهم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر { وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } أي: مؤثراً واصلاً إلى كنه المراد، فإن قيل: بم تعلق قوله تعالى: { فِيۤ أَنْفُسِهِمْ }؟ فالجواب: بقوله: { بَلِيغاً } على رأي من يجيز تقديم معمول الصفة على الموصوف، أي: قل لهم قولاً بليغاً في أنفسهم مؤثراً في قلوبهم يغتمون به اغتماماً، ويستشعرون منه الخوف استشعاراً، وهو التوعد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق وأطلع قَرْنَه، وأخبرهم أن ما في نفوسهم من الدغل والنفاق، معلوم عند الله، وأنه لا فرق بينكم وبين المشركين، وما هذه المُكَافَّة إلا لإظهاركم الإيمان وإسراركم الكفر وإضماره، فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيف، أو يتعلق بقوله: { وَقُل لَّهُمْ } أي: قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفّاق، قولاً بليغاً، وإن الله يعلم ما في قلوبكم، لا يخفى عليه، فلا يغني عنكم إبطانه. فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم وداووها من مرض النفاق، وإلا أنزل الله بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك، من انتقامه، وشراً من ذلك وأغلظ، أو قل لهم في أنفسهم خالياً بهم، ليس معهم غيرهم، مساراً لهم بالنصيحة، لأنها في السر أنجع وفي الإمحاض أدخل: { قَوْلاً بَلِيغاً } يبلغ منهم ويؤثر فيهم، كذا يستفاد من الكشاف.

قال الناصر في (الانتصاف): ولكلٍّ من هذا التأويلات شاهد على الصحة. أما الأول: فلأن حاصله أمره بتهديدهم على وجه مبلغ صميم قلوبهم، وسياق التهديد في قوله:فَكَيْفَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ } [النساء: 62] يشهد له، فإنه أخبر بما سيقع لهم على سبيل التهديد. وأما الثاني: فيلائمه من السائق قوله: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } يعني: ما انطوت عليه من الخبث والمكر والحيل، ثم أمره بوعظهم والإعراض عن جرائمهم حتى لا تكون مؤاخذتهم بها مانعة من نصحهم ووعظهم، ثم جاء قوله: { وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } كالشرح للوعظ ولذكر أهم ما يعظهم فيه، وتلك نفوسهم التي علم الله ما انطوت عليه من المذامّ، وعلى هذا يكون المراد الوعظ وما يتعلق به. وأما الثالث: فيشهد له سيرته عليه الصلاة والسلام في كتم عناد المنافقين، والتجافي عن إفصاحهم والستر عليهم، حتى عُدَّ حذيفةُ رضي الله عنه، صاحبَ سره عليه الصلاة والسلام، لتخصيصه إياه بالاطلاع على أعيانهم وتسميتهم له بأسمائهم، وأخباره في هذا المعنى كثيرة.

تنبيه

قال بعض المفسرين: وثمرة الآية قبح الرياء والنفاق واليمين الكاذبة والعذر الكاذب، لأنهم اعتذروا بإرادتهم الإحسان، وذلك كذب، ثم قال: ودلت الآية على لزوم الوعظ والمبالغة فيه. انتهى. وقوله تعالى:

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ... }.