الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً }

{ وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ } أي: اختبروا عقولهم ومعرفتهم بالتصرف { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ } أي: بأن يحتلموا أو يبلغوا خمس عشرة سنة. لما في الصحيحين عن ابن عمر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أُحُد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني. قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته هذا الحديث فقال: إن هذا لحَدٌّ بين الصغير والكبير، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة، وكذا نبات الشعر الخشن حول العورة، لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن عطية القرظيّ قال: عُرِضنا على النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خليّ سبيله، فكنت فيمن لم ينبت، فخليّ سبيلي، قال الترمذيّ: حسن صحيح. { فَإِنْ آنَسْتُمْ } أي: شاهدتم وتبينتم. { مِّنْهُمْ رُشْداً } أي: صلاحاً في دينهم وحفظاً لأموالهم، قاله سعيد بن جبير، وروي عن ابن عباس والحسن وغير واحد من الأئمة. { فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } أي: من غير تأخير. وظاهر الآية الكريمة أن من بلغ غير رشيد إما بالتبذير أو بالعجز أو بالفسق، لا يسلم إليه ماله لأنها مفسدة للمال. { وَلاَ تَأْكُلُوهَآ } أيها الأولياء. { إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ } أي: مسرفين ومبادرين كبرهم، أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم، تفرّطون في إنفاقها وتقولون: ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا.

{ وَمَن كَانَ } من الأولياء. { غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ } أي: يتنزه عن أكل مال اليتيم، فإنه عليه كالميتة والدم، وليقنع بما آتاه الله تعالى من الزرق. { وَمَن كَانَ فَقِيراً } يمنعه اشتغاله بمال اليتيم عن الكسب، وإهمالُه يفضي إلى تلفه عليه. { فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } بقدر حاجته الضرورية وأجرة سعيه وخدمته. كما رواه ابن أبي حاتم عن عائشة حيث قالت: فليأكل بالمعروف بقدر قيامه عليه، ورواه البخاريّ أيضاً.

قال ابن كثير: قال الفقهاء: له أن يأكل أقل الأمرين أجرة مثله، وقد حاجته، وهل يردّ إذا أيسر؟ وجهان: أحدهما: لا يرد لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيراً، وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعيّ، لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل. وروى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رجلاً سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لي مال ولي يتيم، فقال: " كل من مال يتيمك غير مسرف، ولا مبذر ولا متأثل مالاً، ومن غير أن تقي مالك، أو قال: (تفدي مالك بماله) " ورواه ابن أبي حاتم ولفظه: " كل بالمعروف غير مسرف " ، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة. وروى ابن حبان في: (صحيحه) وابن مردويه في: (تفسيره) عن جابر:

السابقالتالي
2