الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } اعلم أنه تعالى، لما أمر الرعاة والولاة بأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل، أمر الرعية من الجيوش وغيرهم بطاعة أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك، إلا أن يأمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

قال الرازيّ: قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: حقٌّ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا، وقد روى الطبريّ بسند صحيح عن أبي هريرة: إن أولي الأمر هم الأمراء. واحتج له الشافعيّ بأن قريشاً ومن يليها من العرب كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير، فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر، والانقياد له إذا بعثهم في السرايا، وإذا ولاهم البلاد، فلا يخرجوا عليهم ولا يمتنعوا عليهم، لئلا تفترق الكلمة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " من أطاع أميري فقد أطاعني " ، متفق عليه. وفي البخاريّ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عديّ إذ بعثه النبيّ صلى الله عليه وسلم في سرية.

قال ابن كثير: وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجة وقال الترمذيّ: حديث حسن غريب، ولا نعرفه إلا من حديث ابن جريج.

وروى الطبريّ عن السدّيّ أنها نزلت في قصة جرت لعمار بن ياسر مع خالد بن الوليد، وكان خالد أميراً، فأجاز عمار رجلاً بغير أمره، فتخاصما وارتفعا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأجاز أمَانَ عمار ونهاه أن يجير الثانية على أمير. قال ابن كثير: وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عن السدّيّ مرسلاً، ورواه ابن مردويه عن السدّيّ عن أبي صالح عن ابن عباس، فذكر بنحوه. ا. هـ.

ولا تنافي بين الروايتين لما أسلفناه في مقدمة التفسير في بحث سبب النزول، فتذكر.

وقال الزمخشريّ: المراد بأولي الأمر منكم، أمراء الحق، لأن أمراء الجور، الله ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم، وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق والأمر بهما والنهي عن أضدادهما، كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان، وكان الخلفاء يقولون: أطيعوني ما عدلت فيكم فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم. وفي الصحيحين عن عليّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما الطاعة في المعروف " وروى الإمام أحمد عن عمران بن حصين عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لا طاعة في معصية الله ".


السابقالتالي
2 3 4 5 6