الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع.

قال أبو السعود: في تصدير الكلام بكلمة التحقيق وإظهار الاسم الجليل وإيراد الأمر على صورة الإخبار، من الفخامة وتأكيد وجوب الامتثال به والدلالة على الاعتناء بشأنه ما لا مزيد عليه، وهو خطاب يعم حكمه المكلفين قاطبة، كما أن الأمانات تعم جميع الحقوق المتعلقة بذممهم: من حقوق الله تعالى وحقوق العباد، سواء كانت فعلية أو قولية أو اعتقادية، وإن ورد في شأن عثمان بن طلحة. انتهى.

أي لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما تقرر في الأصول، وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها، الأبرار منهم والفجار، كما قال ابن المنذر. وفي حديث سمرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أَدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " ، رواه الإمام أحمد وأهل السنن.

قال الحافظ ابن كثير: وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار بن قصيّ بن كلاب القرشيّ العبدريّ حاجب الكعبة المعظمة، وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم. أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكة، هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وأما عمه عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، فكان معه لواء المشركين يوم أُحد وقتل يومئذ كافراً. وإنما نبهنا على هذا النسب لأن كثيراً من المفسرين قد يشتبه عليه هذا بهذا. وسبب نزولها فيه لما أخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح ثم رده عليه. وقال محمد بن إسحاق (في غزوة الفتح): حدثني محمد ابن جعفر بن الزبير بن عبيد الله بن عبد الله أبي ثور عن صفية بنت شيبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة واطمأن الناس، خرج حتى جاء إلى البيت فطاف به سبعاً على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له، فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ثم وقف على باب الكعبة وقد استكفّ له الناس في المسجد.

قال ابن إسحاق: فحدثني بعض أهل العلم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة فقال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، أَلاَ كلُّ مَأثُرة أو دم أو مال يُدَّعى فهو تحت قدميّ هاتين: إلاَّ سِدَانَةَ البيت وسِقاية الحاج "

السابقالتالي
2 3 4 5 6