الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً }

{ ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ } أي: في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وقولهم:لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة: 111] وقولهم:لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [البقرة: 80] واتكالهم على أعمال آبائهم الصالحة، وقد حكم الله أن أعمال الآباء لا تجزي عن الأبناء شيئاً، في قوله:تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ } [البقرة: 134، 141]، الآية.

قال العلامة أبو السعود: { كَيفَ } نصب إما على التشبيه بالظرف أو بالحال، والعامل { يَفْتَرُونَ } وبه تتعلق { عَلَى } أي: في أي حال أو على أي حال يفترون عليه تعالى الكذب، والمراد بيان شناعة تلك الحال وكمال فظاعتها، والجملة في محل النصب بعد نزع الخافض و (النظر) متعلق بهما، وهو تعجيب إثْرَ تعجيب، وتنبيه على أن ما ارتكبوه متضمن لأمرين عظيمين موجبين للتعجيب: ادعاؤهم الاتصاف بما هم متصفون بنقيضه، وافتراؤهم على الله سبحانه، فإن ادعائهم الزكاء عنده تعالى متضمن لادعائهم قبول الله وارتضاءه إياهم، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً، ولكون هذا أشنع من الأول جرماً، وأعظم قبحاً لما فيه من نسبته سبحانه وتعالى إلى ما يستحيل عليه بالكلية من قبول الكفر وارتضائه لعباده، ومغفرة كفر الكافر وسائر معاصيه - وَجَّه النظر إلى كيفيته تشديداً للتشنيع وتأكيداً للتعجيب، والتصريحُ بالكذب، مع أن الافتراء لا يكون إلا كذباً، لمبالغة في تقبيح حالهم { وَكَفَىٰ بِهِ } أي: بافترائهم هذا من حيث هو افتراء عليه تعالى مع قطع النظر عن مقارنته لتزكية أنفسهم وسائر آثامهم العظام { إِثْماً مُّبِيناً } ظاهراً بيناً كونه إثماً، والمعنى: كفى ذلك وحده في كونهم أشد إثماً من كل كَفَّار أثيم، أو في استحقاقهم لأشد العقوبات.

ثم حكى تعالى عن اليهود نوعاً آخر من المكر، وهو أنهم كانوا يفضلون عبدة الأصنام على المؤمنين، تعصباً وعناداً، بقوله سبحانه:

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ... }.