الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

{ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } اعلم أن في الآية وجوهاً يحتملها النظم الكريم: الأول: أن يراد بالسفهاء اليتامى كما روي عن سعيد بن جبير. والخِطابُ حينئذ للأولياء، نهوا أن يؤتوا اليتامى أموالهم مخافة أن يضيعوها لقلة عقولهم، لأن السفيه هو الخفيف الحلم، وإنما أضيفت للأولياء، وهي لليتامى، تنزيلاً لاختصاصها بأصحابها منزلة اختصاصها بالأولياء، فكأن أموالهم عين أموالهم، لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسيّ والنسبيّ، مبالغة في حملهم على المحافظة عليها، كما قال تعالى:وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } [النساء: 29] أي: لا يقتل بعضكم بعضاً حيث عبر عن بني نوعهم بأنفسهم، مبالغةً في زجرهم عن قتلهم، فكأن قتلهم قتل أنفسهم، وقد أيد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطاً لمعاش أصحابها بجعلها مناطاً لمعاش الأولياء، بقوله تعالى: { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً } أي: جعلها الله شيئاً تقومون وتنتعشون، فلو ضيعتموها لضعتم. وقوله تعالى: { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ } أي: اجعلوها مكاناً لرزقهم وكسوتهم، بأن تتجروا وتتربحوا، حتى تكون نفقاتهم من الأرباح لا من صلب المال. وقوله سبحانه: { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } أي: كلاماً ليناً تطيب به نفوسهم، ومنه أن يعدهم عدة جميلة، بأن يقول وليهم: إذا صلحتم ورشدتم، سلمنا إليكم أموالكم.

الوجه الثاني: أن يراد بالسفهاء النساء والصبيان، روي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما، فالخطاب عام والنهي لكل أحد أن يعمدَ إلى ما خوّله الله تعالى من المال فيعطيه امرأته وأولاده، ثم ينظر إلى أيديهم، وإنما سماهم سفهاء استخفافاً واستهجاناً لجعلهم قواماً على أنفسهم. قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: لا تعمد إلى مالك خوّلك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك ثم تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم.

الوجه الثالث: أن يراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال، فيدخل فيه النساء والصبيان والأيتام كل من كان موصوفاً بهذه الصفة. قال الرازي: وهذا القول أولى، لأن التخصيص بغير دليل لا يجوز. قال السيوطيّ في: (الإكليل): في هذه الآية الحجر على السفيه، وأنه لا يمكّن من ماله، وأنه ينفق عليه منه ويكسي، ولا ينفق في التبرعات، وأنه يقال له معروف كـ: (إن رشدت دفعنا إليك مالك، وإنما يحتاط لنفعك).

واستدل بعموم الآية من قال بالحجر على السفيه البالغ، سواء طرأ عليه أم كان من حين البلوغ، ومن قال بالحجر على من يُخدع في البيوع، ومن قال بأن من يتصدق على محجور، وشرط أن يترك في يده، لا يسمع منه في ذلك.

لطيفة

في قوله تعالى: { ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً } حث على حفظ الأموال وعدم تضييعها.

قال الزمخشري: كان السلف يقولون: المال سلاح المؤمن، ولأنْ أترك مالاً يحاسبني الله عليه، خير من أن أحتاج إلى الناس. وعن سفيان، وكانت له بضاعة يقلبها: لولاها لتمندل بي بنو العباس. وعن غيره (وقيل له: إنها تدنيك من الدنيا): لأن أدنتني من الدنيا لقد صانتني عنها، وكانوا يقولون: اتجروا واكتسبوا، فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه، وربما رأوا رجلاً في جنازة، فقالوا له: اذهب إلى دكانك. انتهى.