الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر في جماعة كانوا يشربونها ثم يصلّون، أي: من مقتضى إيمانكم الحياء من الله، ومن الحياء منه أن لا تقوموا إلى الصلاة وأنتم سكارى لا تعلمون ما تخاطبونه، فالحياء من الله يوجب ذلك، وتصدير الكلام بحرفي النداء والتنبيه، للمبالغة في حملهم على العمل بموجب النهي، وتوجيه النهي إلى قربان الصلاة، مع أن المراد هو النهي عن إقامتها، للمبالغة في ذلك.

قال الحافظ ابن كثير: كان هذا النهي قبل تحريم الخمر، كما دل عليه الحديث الذي ذكرناه في سورة البقرة عند قوله تعالى:يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } [البقرة: 219]، الآية، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها على عمر، فقال: اللهم! بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فلما نزلت هذه الآية تلاها عليه، فقال: اللهم! بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلوات، حتى نزلت:يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [المائدة: 90] إلى قوله تعالى:فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [المائدة: 91] فقال عمر: انتهينا انتهينا.

ولفظ أبي داود عن عمر بن الخطاب في قصة تحريم الخمر فذكر الحديث، وفيه: نزلت الآية التي في النساء: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قامت الصلاة، ينادي: لا يقربن الصلاة سكران.

وروى ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن سعد رضي الله عنه قال: نزلت فيّ أربع آيات: صنع رجل من الأنصار طعاماً فدعا أناساً من المهاجرين وأناساً من الأنصار، فأكلنا وشربنا حتى سكرنا، ثم افتخرنا، فرفع رجل لحي بعير فغرز بها أنف سعد فكان سعد مغروز الأنف، وذلك قبل تحريم الخمر، فنزلت: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } الآية. والحديث بطوله عند مسلم ورواه أهل السنن إلا ابن ماجه.

وروى أبو داود والنسائيّ عن عليّ رضي الله عنه، أن أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر. فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ: { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافرُونَ } فخلط فيها، فنزلت: { لاَ تَقْرَبُواْ } الآية.

وروى ابن أبي حاتم عن عليّ رضي الله عنه: قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة، فقدموا فلاناً، قال فقرأ: قل يا أيها الكافرون ما أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون، فأنزل الله: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ }. الآية، وكذا رواه الترمذيّ وقال: حسن صحيح { وَلاَ جُنُباً } عطف على قوله: { وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } إذ الجملة في موضع النصب على الحال، والجنب الذي أصابته الجنابة، يستوي فيه المذكر والمؤنث، والواحد والجمع، لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب { إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } أي: ماريّن بلا لبث { حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } من الجنابة: أي: لا تقربوا موضع الصلاة، وهو المسجد، وأنتم جنب، إلا مجتازين فيه، إما للخروج منه أو للدخول فيه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد