الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }

{ وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } يأمر تعالى بعبادته وحده وبالإخلاص فيها بقوله: { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } كما قال تعالى:وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [البينة: 5]، لأنه تعالى هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الأوقات والحالات، فهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئاً من الشرك، الجليّ والخفيّ، للنفس وشهواتها، وما يتوصل بها إليها من المال والجاه، وهذه العبادة حق الله علينا. كما في الصحيحين عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " " يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ ". قلت: الله ورسوله أعلم. قال: " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً " ".

ثم أوصى سبحانه بالإحسان إلى الوالدين، إثر تصدير ما يتعلق بحقوق الله عز وجل التي هي آكد الحقوق وأعظمها، تنبيهاً على جلالة شأن الوالدين بنظمها في سلكها بقوله: { وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً } وقد كثرت مواقع هذا النظم في التنزيل العزيز كقوله:أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } [لقمان: 14]،وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الإسراء: 23]، أي: أحسنوا بهما إحساناً يفي بحق تربيتهما، فإن شكرهما يدعو إلى شكر الله المقرب إليه مع ما فيه من صلة أقرب الأقارب الموجب لوصلة الله، وقطعها لقطعه، ثم عطف على الإحسان إليهما، الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء، بقوله: { وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي: الأقارب، وقد جاء في الحديث الصحيح عن سلمان بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صلة وصدقة " ، رواه الإمام أحمد والترمذيّ والنسائي والحاكم وابن ماجة. ثم قال تعالى: { وَٱلْيَتَٰمَىٰ } وذلك لأنهم فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم فأمر الله بالإحسان إليهم والحنوّ عليهم، تنزلاً لرحمته عز وجل { وَٱلْمَسَٰكِينِ } وهم المحاويج الذين لا يجدون ما يقوم بكفايتهم، فأمر الله سبحانه بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم، وتزول به ضرورتهم { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي: الذي قرب جواره، أو الذي له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } أي: الذي جواره بعيد، أو الأجنبيّ، وقال نوف البكاليّ: الجار ذي القربى، يعني الجار المسلم، والجار الجنب يعني اليهوديّ والنصرانيّ.

وقد ورد في الوصية بالجار أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " ، أخرجاه في الصحيحين عن ابن عمر.

ومنها ما رواه الإمام أحمد والترمذيّ عن عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2 3 4