الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً }

{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } أي: ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون من المال جعلنا ورثة وعَصَبة يلونه ويحرزونه، وهم يرثونه، دون سائر الناس. كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فهو لأوْلَى رجل ذكر " ، أي: اقسموا الميراث على أصحاب الفرائض الذين ذكرهم الله في آيتي الفرائض، فما بقي بعد ذلك فأعطوه للعصبة، فـ (مما) تبين لـ (كل).

قال ابن جرير: والعرب تسمي ابن العم مولى، كما قال الفضل بن العباس:
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا   لا يظهرن بيننا ما كان مدفونا
وفي (القاموس) و (شرحه تاج العروس): والمولى: القريب كابن العم ونحوه. قال ابن الأعرابي: ابن العم مولى، وابن الأخت مولى، وقول الشاعر:
هم المولى وإن جنفوا علينا   وإنا من لقائهم لزُورُ
قال أبو عبيدة: يعني الموالي، أي: بني العم. وقال اللَّهْبيّ يخاطب بني أمية:
مهلاً بني عمنا، مهلاً موالينا   امشوا رويداً كما كنتم تكونونا
وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } مبتدأ ضمن معنى الشرط فوقع خبره مع الفاء وهو قوله: { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } ويقرأ " عاقدت " بالألف، والمفعول محذوف أي: عاقدتهم، ويقرأ بغير ألف والمفعول محذوف أيضاً هو والعائد، تقديره: عقدت حلفهم أيمانكم، والعقد الشدّ والربط والتوكيد والتغليظ، ومنه: عقد العهد يعقده: شده. والأيمان جمع يمين إما بمعنى اليد اليمنى لوضعهم الأيدي في العهود، أو بمعنى القسم وهو الأظهر، لأن العقد خلاف النقض، وقد جاء مقروناً بالحلف في قوله تعالى:وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } [النحل: 91]، وفي قوله:لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ } [المائدة: 89]، وفي هذه الآية محامل كثيرة ووجوه للسلف والخلف، أظهرها لسلف المفسرين رضوان الله عليهم، وهو أن المعنيّ بالموصول: الحلفاء، وهو المرويّ عن ابن عباس في البخاريّ كما سيأتي: قال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والحسن وابن المسيب وأبي صالح وسليمان بن يسار والشعبيّ وعكرمة والسديّ والضحّاك وقتادة ومقاتل بن حيان، أنهم قالوا: هم الحلفاء. انتهى. ويزاد أيضاً: عليّ بن أبي طلحة.

وكان الحلفاء يرثون السدس من محالفيهم، وروى الطبريّ من طريق قتادة: كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول: دمي دمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس، فأمروا بأن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس، ثم نسخ ذلك بالميراث، فقال:وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } [الأنفال: 75].

ولذا قال سعيد بن جبير: فآتوهم نصيبهم من الميراث، قال: وعاقد أبو بكر مولى فورثه. قال الزمخشري: والمراد، بـ { والَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } موالي الموالاة، كان الرجل يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك، وهدمي هدمك، وثاري ثارك، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف.

السابقالتالي
2 3 4