الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً }

{ إِن تَجْتَنِبُواْ } أي: تتركوا { كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } أي: كبائر الذنوب التي نهاكم الشرع عنها، مما ذكر ههنا ومما لم يذكر { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ } أي: صغائر ذنوبكم، ونمحها عنكم، وندخلكم الجنة، كما قال تعالى: { وَنُدْخِلْكُمْ } في الآخرة { مُّدْخَلاً كَرِيماً } أي: حسناً وهي الجنة. و (مدخلاً) قرئ بضم الميم، اسم مكان أو مصدر ميميّ، أي: إدخالاً مع كرامة، وبفتح الميم، وهو أيضاً يحتمل المكان والمصدر، وفي الآية دليل على أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، وردٌّ على من قال: إن المعاصي كلها كبائر، وإنه لا صغيرة.

قال الإمام ابن القيّم في (الجواب الكافي): قد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة، والتابعين بعدهم، والأئمة، على أن من الذنوب كبائر وصغائر، قال الله تعالى: { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ } ، وقال تعالى:ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ } [النجم: 32]. وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ".

وهذه الأعمال المكفرة لها ثلاث درجات: إحداها: أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الإخلاص فيها والقيام بحقوقها، بمنزلة الدواء الضعيف الذي ينقص عن مقاومة الداء كمية وكيفية. الثانية: أن تقاوم الصغائر ولا ترتقي إلى تكفير شيء من الكبائر. الثالثة: أن تقوى على تكفير الصغائر وتبقى فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر، فتأمل هذا فإنه يزيل عنك إشكالات كثيرة.

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قالوا: بلى يا رسول الله! قال: " الإشراك بالله وعقوق الوالدين ". وجلس وكان متكئاً فقال: " ألا وقول الزور (ثلاثاً) " ".

وروي في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: " " اجتنبوا السبع الموبقات " قالوا: وما هن؟ يا رسول الله! قال: " الإشراك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " ".

وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه قَال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: " أن تجعل لله ندّا وهو خلقك " قلت: ثم أي؟ قال: ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت: ثم أي؟ قال: " أن تزاني بحليلة جارك " قال: ونزلت هذه الآية تصديقاً لقوله صلى الله عليه وسلم:وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ } [الفرقان: 68]، الآية. ثم ساق الخلاف في تعدادها.

السابقالتالي
2