الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } أي: لم يقدر { مِنكُمْ } أيها الأحرار، بخلاف العبيد، أن يحصل { طَوْلاً } أي: غني يمكنه به: { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ } أي: الحرائر المتعففات، بخلاف الزواني إذ لا عبرة بهن { ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } إذ لا عبرة بالكوافر { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم } أي: فله أن ينكح بعض ما يملكه أَيْمَانُ إخوانكم { مِّن فَتَيَٰتِكُمُ } أي: إمائكم حال الرق { ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } لا الكتابية. لأنه لا يحتمل مع عار الرق عار الكفر، وقد استفيد من سياق هذه الآية أن الله تعالى شرط في نكاح الإماء شرائط ثلاثة: اثنان منها في الناكح والثالث في المنكوحة. أما اللذان في الناكح فأحدهما أن يكون غير واجد لما يتزوج به الحرة المؤمنة من الصداق، وهو معنى قوله: { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } فعدم استطاعة الطول عبارة عن عدم ما ينكح به الحرة، فإن قيل: الرجل إذا كان يستطيع التزوج بالأمة، يقدر على التزوج بالحرة الفقيرة، فمن أين هذا التفاوت؟ قلنا: كانت العادة في الإماء تخفيف مهورهن ونفقتهن لاشتغالهن بخدمة السادات، وعلى هذا التقدير يظهر التفاوت. وأما الشرط الثاني فهو المذكور في آخر الآية وهو قوله: { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } أي: الزنا بأن بلغ الشدة في العزوبة. وأما الشرط الثالث المعتبر في المنكوحة، فأن تكون الأمة مؤمنة لا كافرة، فإن الأمة إذا كانت كافرة كانت ناقصة من وجهين: الرق والكفر، ولا شك أن الولد تابع للأم في الحرية والرق، وحينئذٍ يعلق الولد رقيقاً على ملك الكافر، فيحصل فيه نقصان الرق ونقصان كونه ملكاً للكافر، وما ذكرناه هو المطابق لمعنى الآية، ولا يخلوا ما عداه عن تكلف لا يساعده نظم الآية.

قال الزمخشريّ: فإن قلت: لِمَ كان نكاح الأمة منحطاً عن نكاح الحرة؟ قلت: لما فيه من اتباع الولد الأم في الرق، ولثبوت حق المولى فيها وفي استخدامها، ولأنها ممتهنة مبتذلة خرَّاجة ولاَّجة، وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح، ومهانة، والعزة من صفات المؤمنين، وسيأتي مزيد لهذا عند قوله تعالى: { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ }.

وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ } إشارة إلى أنه لا يشترط الإطلاع على بواطنهن، بل يكتفي بظاهر إيمانهن، أي: فاكتفوا بظاهر الإيمان، فإنه تعالى العالم بالسرائر وبتفاضل ما بينكم في الإيمان، فرب أمة تفضل الحرة فيه. وقوله تعالى: { بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } اعتراض آخر جيء به لتأنيسهم بنكاح الإماء حالتئذ، أي أنتم وأرقاؤكم متناسبون، نسبكم من آدم ودينكم الإسلام { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } أي: مواليهن لا استقلالاً، وذلك لأن منافعهن لهم لا يجوز لغيرهم أن ينتفع بشيء منها إلا بإذن من هي له { وَآتُوهُنَّ } أعطوهن { أُجُورَهُنَّ } أي: مهورهن: { بِٱلْمَعْرُوفِ } أي: بلا مطل وضرار وإلجاء إلى الاقتضاء.

السابقالتالي
2 3 4