الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ } أي: وحرمت عليكم المزوجات { مِنَ ٱلنِّسَآءِ } حرائر وإماء، مسلمات، أوْ لاَ، لئلا تختلط المياه فيضيع النسب { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ } أي: من اللائي سبين ولهن أزواج في دار الكفر، فهن حلال لغزاة المسلمين، وإن كن محصنات، لأن السبي لهن يرفع نكاحهن ويفيد الحل بعد الاستبراء. روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجة عن أبي سعيد الخدريّ قال: أصبنا سبايا من سبي أوطاس، ولهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ } فاستحللنا فروجهن.

تنبيه

استدل بعموم الآية من قال: إن انتقال الملك ببيع أو إرث أو غير ذلك يقطع النكاح. عن ابن مسعود قال: إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحق ببضعها، وعنه: بيع الأمة طلاقها. وروي ذلك أيضاً عن أُبيّ بن كعب وجابر وابن عباس رضي الله عنهم قالوا: بيعها طلاقها. وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: طلاق الأمة ست: بيعها طلاقها، وعتقها طلاقها، وهبتها طلاقها، وبراءتها طلاقها، وطلاق زوجها طلاقها.

كذا قرأته في تفسير ابن كثير، ولا يخفى أن المعدود خمسة، ولعل السادس بيع زوجها.

حيث قال بعد ذلك: وروى عوف عن الحسن بيع الأمة طلاقها وبيعه طلاقها، فهذا قول هؤلاء من السلف. وحجتهم عموم الاستثناء في قوله تعالى: { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ } والجمهور على أن بيع الأمة ليس طلاقاً لها، واحتجوا بحديث بريرة المخرَّج في الصحيحين وغيرهما، فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها وأعتقتها ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث، بل خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفسخ والبقاء، فاختارت الفسخ، وقصتها مشهورة، فلو كان بيع الأمة طلاقها لما خيرت، وتخييرها دال على أن المراد من الآية المسبيات فقط، وبالجملة، فالجمهور قصروا الآية على السبب الذي نزلت فيه.

قال الرازيّ: وهو يرجع إلى تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، أي وهو مقبول ومعمول به في غير ما موضع، كنصاب السرقة، وفي التنبيه الآتي زيادة لهذا فتأثره.

فائدة

اتفق القراء على فتح الصاد في: { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ } هنا، ويقرأ بالفتح والكسر في غير هذا الموضع، وكلاهما مشهور، فالفتح على أنهن أُحصنّ بالأزواج أو بالإسلام، والكسر على أنهن أَحصن فروجهن أو أزواجهن، واشتقاق الكلمة من الإحصان وهو المنع. { كِتَٰبَ ٱللَّهِ } مصدر مؤكد أي كتب الله { عَلَيْكُمْ } تحريم هؤلاء كتاباً وفرضه قرضاً، فالزموا كتابه ولا تخرجوا عن حدوده وشرعه { وَأُحِلَّ لَكُمْ } عطف علىحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ } [النساء: 23] { مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } إشارة إلى ما ذكر من المحرمات المعدودة، أي: أحل لكم نكاح ما سواهن { أَن تَبْتَغُواْ } مفعول له، أي أحل لكم إرادة أن تبتغوا، أو بدل من (ما) أي ابتغاء النساء { بِأَمْوَٰلِكُمْ } أي: يصرفها إلى مهورهن { مُّحْصِنِينَ } حال من فاعل { تَبْتَغُواْ } ، والإحصان: العفة، وتحصين النفس عن الوقوع فيما يوجب اللوم { غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ } غير زانين، والسفاح: الزنا والفجور، من السفح وهو الصبّ، لأنه لا غرض للزاني إلا سفح النطفة، وكان أهل الجاهلية، إذا خطب الرجل المرأة، قال: انكحيني، فإذا أراد الزنا قال: سافحيني.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7