الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }

{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ } من النسب أن تنكحوهن، وشملت الجدات من قِبَلِ الأب أو الأم { وَبَنَٰتُكُمْ } من النسب، وشملت بنات الأولاد وإن سفلن { وَأَخَوَٰتُكُمْ } من أم أو أب أو منهما { وَعَمَّٰتُكُمْ } أي: أخوات آبائكم وأجدادكم { وَخَالَٰتُكُمْ } أي: أخوات أمهاتكم وجداتكم { وَبَنَاتُ ٱلأَخِ } من النسب، من أي وجه يكنّ { وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ } من النسب من أي وجه يكنّ، ويدخل في البنات أولادهن { وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ } قال المهايميُّ: لأن الرضاع جزء منها وقد صار جزءاً من الرضيع، فصار كأنه جزؤها فأشبهت أصله. انتهى.

ويعتبر في الإرضاع أمران: أحدهما: القدر الذي يتحقق به هذا المعنى، وقد ورد تقييد مطلقه وبيان مجمله في السنة بخمس رضعات، لحديث عائشة عند مسلم وغيره: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحَرَّمن، ثم نسخن بخمسٍ معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنّ فيما يقرأ من القرآن. والثاني: أن يكون الرضاع في أول قيام الهيكل وتشبح صورة الولد، وذلك قبل الفطام، وإلا فهو غذاء بمنزلة سائر الأغذية الكائنة بعد التشبح وقيام الهيكل، كالشاب يأكل الخبز.

عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام " ، رواه الترمذيّ وصححه، والحاكم أيضاً. وأخرج سعيد بن منصور والدارقطنيّ والبيهقي عن ابن عباس مرفوعاً: " لا رضاع إلا ما كان في الحولين " ، وصحح البيهقيّ وقفه. قال السيوطيّ في (الإكليل): واستدل بعموم الآية من حرم برضاع الكبير. انتهى. وقد ورد الرخصة فيه لحاجة تعرض، روى مسلم وغيره عن زينب بنت أم سَلَمَة قالت: قالت أم سلمة لعائشة: إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل عليَّ. فقالت عائشة: أما لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة؟ وقالت: إن امرأة أبي حذيفة قالت: يا رسول الله! إن سالما يدخل عليّ وهو رجل، وفي نفس أبي حذيفة منه شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرضعيه حتى يدخل عليك " وأخرج نحوه البخاريّ من حديث عائشة أيضاً.

وقد روى هذا الحديث، من الصحابة: أمهات المؤمنين وسهلة بنت سهيل وزينب بنت أم سلمة، ورواه من التابعين جماعة كثيرة، ثم رواه عنهم الجمع الجم. وقد ذهب إلى ذلك عليّ وعائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن علية وداود الظاهريّ وابن حزم، وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك.

قال ابن القيم: أخذ طائفة من السلف بهذه الفتوى منهم عائشة، ولم يأخذ بها أكثر أهل العلم، وقدموا عليها أحاديث توقيت الرضاع المحرم، بما قبل الفطام، وبالصغر، وبالحولين، لوجوه: أحدها: كثرتها وانفراد حديث سالم.

السابقالتالي
2 3 4 5