الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً }

{ وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } شروع في تفصيل موارد الاتقاء ومظانه بتكليف ما يقابلها أمراً ونهياً. وتقديمُ ما يتعلق باليتامى لإظهار كمال العناية بأمرهم ولملابستهم بالأرحام، إذ الخطاب للأولياء والأوصياء وقلما تفوض الوصاية إلى الأجانب. واليتيم من مات أبوه، من اليتم، وهو الانفراد، ومنه الدرة اليتيمة، والقياس الاشتقاقيّ يقتضي وقوعه على الصغار والكبار. وقد خصه الشرع بمن لم يبلغ الحلم. كما روى أبو داود بإسناد حسن عن عليّ عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يُتْمَ بعد احتلام " وفي الآية وجوه: الأول: أن يُراد باليتامى الكبار الذين أونس منهم الرشد مجازاً، باعتبار ما كان، أوثر لقرب العهد بالصغر، والإشارة إلى وجوب المسارعة إلى دفع أموالهم إليهم حينئذ، حتى كأنّ اسم اليتيم باق بعدُ، غير زائل. الثاني: أن يُراد بهم الكبار حقيقة، واردةً على أصل اللغة. الثالث: أن يُراد بهم الصغار، وبـ (الإيتاء) ما يدفعه الأولياء والأوصياء إليهم من النفقة والكسوة، لا دفعها إليهم، وفيه بُعْدٌ. الرابع: أن يُراد بهم ما ذكر. وبـ (إيتائهم) الأموال، أن لا يطمع فيها الأولياء والأوصياء وولاة [في المطبوع ولاة] السوء، وقضاته، ويكفّوا عنها أيديهم الخاطفة حتى تؤتى اليتامى إذا بلغوا سالمة غير محذوفة، فالتجوّز في الإيتاء حينئذ باستعماله في لازم معناه وهو تركها سالمة لأنها لا تؤتى إلا إذا كانت كذلك.

قال الناصر في (الانتصاف): هذا الوجه قويّ بقوله بعد آيات:وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } [النساء: 6]، دل على أن الآية الأولى في الحض على حفظها لهم ليؤتوها عند بلوغهم ورشدهم. والثانية: في الحض على الإيتاء الحقيقيّ عند حصول البلوغ والرشد. ويقويه أيضاً قوله عقيب الأولى: { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ } الخ فهذا كله تأديب للوصيّ ما دام المال بيده واليتيم في حجره. وأما على الوجه الأول فيكون مؤدى الآيتين واحداً وهو الأمر بالإيتاء حقيقة، ويخلص عن التكرار بأن الأولى كالمجملة، والثانية كالمبيّنة لشرط الإيتاء: من البلوغ وإيناس الرشد، والله أعلم.

{ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ } أي: ولا تستبدلوا الحرام، وهو مال اليتامى بالحلال وهو مالكم، وما أبيح لكم من المكاسب، ورزق الله المبثوث في الأرض فتأكلوه مكانه { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } نهى عن منكر آخر كانوا يتعاطونه، أي: لا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم مخلوطة بها للتوسعة { إِنَّهُ } أي: الأكل { كَانَ حُوباً } أي: ذنباً عظيماً، وقرئ بفتح الحاء، وقوله تعالى: { كَبِيراً } مبالغة في بيان عظم ذنب الأكل المذكور، كأنه قيل من كبار الذنوب.

تنبيه

خص من ذلك مقدار أجر الملل عند كون الوليّ فقيراً لقوله تعالى:وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ } [النساء: 6] كذا قاله البيضاويّ وتابعه أبو السعود.

السابقالتالي
2 3