قوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } نهي عما كان يفعله أهل الجاهلية بالنساء من الإيذاء والظلم. روى البخاريّ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا إذا مات الرجل، كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ } الآية. ورواه أبو داود والنسائي وغيرهم، ولفظ أبي داود عن ابن عباس: أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت، أو ترد إليه صداقها، فأحكم الله عن ذلك، أي: نهى عنه. قال السيوطيّ: ففيه أن الحر لا يتصور ملكه ولا دخوله تحت اليد، ولا يجري مجرى الأموال بوجه. وكرها (بفتح الكاف وضمها) قراءتان، أي: حال كونهن كارهات لذلك! أو مكرهات عليه، والتقييد (بالكره) لا يدل على الجواز عند عدمه، لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه، كما في قوله:{ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [الإسراء: 31]. { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ } الخطاب للأزواج، كما عليه أكثر المفسرين. روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: أن الآية في الرجل تكون له المرأة، وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر، فيضرها لتفتدي به. والعضل: الحبس والتضييق، أي: ولا يحل لكم أن تضيقوا عليهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن، أي: من الصداق، بأن يدفعن إليكم بعضه اضطراراً فتأخذوه منهن { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } أي: زنى، كما قاله جماعة من الصحابة والتابعين، يعني إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها وتضاجرها حتى تتركه لك، وتخالعها، كما قال تعالى في سورة البقرة:{ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } [البقرة: 229]. وروي عن ابن عباس أيضاً وغيره: الفاحشة المبينة: النشوز والعصيان. واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله: الزنى والعصيان والنشوز وبذاء اللسان وغير ذلك، يعني أن هذا كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو بعضه، ويفارقها. قال ابن كثير: وهذا جيد، والله أعلم. قال أبو السعود: { مُّبَيِّنَةٍ } على صيغة الفاعل من (بيّن) بمعنى تبين، وقرئ على صيغة المفعول، وعلى صيغة الفاعل من (أبان) بمعنى تبين أي بينة القبح من النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء والسلاطة. ويعضده قراءة أبيّ: " إلا أن يفحشن عليكم " انتهى. وفي (الإكليل) استدل قوم بقوله: { بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ } على منع الخلع بأكثر مما أعطاها. انتهى. ثم بين تعالى حق الصحبة مع الزوجات بقوله: { وَعَاشِرُوهُنَّ } أي: صاحبوهن { بِٱلْمَعْرُوفِ } أي: بالإنصاف في الفعل والإجمال في القول حتى لا تكونوا سبب الزنا بتركهن، أو سبب النشوز أو سوء الخلق، فلا يحل لكم حينئذ.