الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ يَسْتَفْتُونَكَ } أي: في ميراث الكلالة، استغنى عن ذكره لوروده في قوله سبحانه { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ } وقد مر تفسيرها في مطلع السورة الكريمة. والمستفتي جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. روى الشيخان وغيرهما عن جابر بن عبد الله قال: دخل عليّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا مريض، فتوضأ فصب عليّ أو قال: صبوا عليه فعقلت فقلت: لا يرثنى إلا كلالة، فكيف الميراث؟ فنزلت آية الفرائض. { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ } أي: مات، واختصاص الهلاك بميتة السوء عُرْفٌ طارئ لا يعتد به، بدليل ما لا يحصى من الآي والأحاديث، ولطروّ هذا العرف قال الشهاب في (شرح الشفاء): إنه يمنع إطلاقه في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا يعتدّ بأصل اللغة القديمة، كما لا يخفى عمن له مساس بالقواعد الشرعية والله أعلم، كذا في (تاج العروس). { لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } أي: الميت، من المال.

قال ابن كثير: تمسك به من ذهب إلى أنه ليس من شرط الكلالة انتفاء الوالد، بل يكفي في وجود الكلالة انتفاء الولد، وهو رواية عن عمر بن الخطاب، رواها ابن جرير عنه بإسناد صحيح، ولكن الذي يرجع إليه، قول الجمهور. وقضى الصديق رضي الله عنه؛ أنه الذي لا ولد له ولا والد، ويدل على ذلك قوله: { وَلَهُ أُخْتٌ } ولو كان معها أب لم ترث شيئاً، لأنه يحجبها بالإجماع، فدل على أنه من لا ولد له بنص القرآن، ولا والد بالنص أيضاً، عند التأمل أيضاً، لأن الأخت لا يفرض لها النصف مع الوالد، بل ليس لها ميراث بالكلية. وروى الإمام أحمد عن زيد بن ثابت أنه سئل عن زوج وأخت لأب وأم؟ فأعطى الزوج النصف، والأخت النصف. فكلم في ذلك فقال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بذلك. وقد نقل ابن جرير وغيره عن ابن عباس وابن الزبير أنهما كانا يقولان (في الميت ترك بنتاً وأختاً): أنه لا شيء للأخت لقوله { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } ، قال: فإذا ترك بنتاً فقد ترك ولداً فلا شيء للأخت. وخالفهما الجمهور فقالوا (في هذه المسألة): للبنت النصف بالفرض، وللأخت النصف الآخر بالتعصيب، بدليل غير هذه الآية، وهذه نقصت أن يفرض لها في هذه الآية، وأما وراثتها بالتعصيب، فلما رواه البخاريّ من طريق سليمان عن إبراهيم عن الأسود قال: قضى فينا معاذ بن جبل، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، النصف للبنت والنصف للأخت، ثم قال سليمان (قضى فينا) ولم يذكر (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي صحيح البخاري أيضاً عن هزيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى الأشعريّ عن بنت، وبنت ابن، وأخت؟ فقال: للبنت النصف، وللأخت النصف، وائت ابن مسعود فسيتابعني، فسأل ابن مسعود فأخبره بقول أبي موسى فقال: لقد ضللتُ إذاً وما أنا من المهتدين.

السابقالتالي
2 3