الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً }

{ يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } قال ابن عباس: كعب وأصحابه { أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي: كما أنزلت التوراة على موسى جملة في الألواح، مع أنه لا حاجة لهم إلى طلب ذلك بعد ما وضحت البراهين على نبوتك، لا سيما بإعجاز ما نزل عليك من الفرقان، إلا أن الذي حملهم على سؤالهم هو التعنت والكفر، كما قال قبلهم كفار قريش نظير ذلك:وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً... } [الإسراء: 90] الآيات. ولهذا قال تعالى: { فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ } أي: مما سألوك { فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً } أي: رؤية ظاهرة { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } أي: النار النازلة من السماء { بِظُلْمِهِمْ } أي: جراءتهم على الله وعتوّهم وعنادهم، إذ لا يرون آية إلا يطلبون أكبر منها، حتى يروا آية ملجئة إلى الإيمان، بحيث لا يفيد الإيمان معها، فلا يكادون يؤمنون إيماناً يفيدهم أصلاً، ولا يبعد منهم الكفر، بعد رؤية الآيات، فإنهم رأوا آيات موسى { ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ } أي: إلها وعبدوه: { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } أي: الدلائل القاطعة على نفي الشرك، ثم تابوا عنه { فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ } أي: تركناهم ولم نستأصلهم { وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً } أي: حجة بينة وتسلطاً ظاهراً على إهلاك من خالفه، وفي ذلك بشارة للنبيّ صلى الله عليه وسلم بنصره، وإن بالغوا في العناد والإلحاد.

ثم أشار إلى أنهم مع رؤيتهم الآيات، لم ينقادوا لأوامر موسى، كما قال تعالى:

{ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ... }.