الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً }

{ لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } أي: لا يحب الله تعالى أن يجهر أحد بالقبيح من القول { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } إلا جهر المظلوم بأن يدعو على ظالمه أو يتظلم منه ويذكره بما فيه من السوء، فإن ذلك غير مسخوط عنده سبحانه، حتى إنه يجيب دعاءه، ومعلوم أن أنواع الظلم كثيرة. فما نقل عن السلف هنا من ذكر نوع منه، فليس المراد حصر معنى الآية فيه، بل القصد تنبيه المستمع على النوع، فمن ذلك ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية، يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوماً، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } وإن صبر فهو خير له. ومن ذلك ما رواه عبد الرزاق وابن إسحاق وهنّاد بن السريّ عن مجاهد قال: هي في رجل أضاف رجلاً فأساء قراه، فتحول عنه، فجعل يثني عليه بما أولاه، فرخص له أن يثني عليه بما أولاه. وفي رواية عنه: وهو الرجل ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فيخرج فيقول: أساء ضيافتي ولم يحسن. وفي رواية: هو الضيف المحول رحله، فإنه يجهر لصاحبه بالسوء من القول.

قال ابن كثير: وقد روى الجماعة (سوى النسائيّ والترمذيّ) عن عقبة بن عامر قال: " قلنا: يا رسول الله! إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا فما ترى؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم " وروى الإمام أحمد عن المقدام بن أبي كريمة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أيما مسلم ضاف قوماً فأصبح الضيف محروماً، فإن حقاً على كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله " وروى هو وأبو داود عنه أيضاً، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليلة الضيف واجبة على كل مسلم، فإن أصبح بفنائه محروماً كان دينا عليه، فإن شاء اقتضاه، وإن شاء تركه " ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار عن أبي هريرة، " أن رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جاراً يؤذيني، فقال له: " أخرج متاعك فضعه على الطريق ". فأخذ الرجل متاعه فطرحه على الطريق، فكل من مرّ به قال: ما لك؟ قال: جاري يؤذيني، فيقول: اللهم! العنه، اللهم! اخزه. قال: فقال الرجل: ارجع إلى منزلك، والله! لا أوذيك أبداً " ورواه أبو داود في كتاب الأدب.

السابقالتالي
2 3