الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }

{ ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } إما بدل منٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ } [النساء: 139] وإما صفة للمنافقين: أي: ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو هزيمة { فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ } أي: نصر وتأييد وظفر وغنيمة { قَالُوۤاْ } لكم { أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ } أي: مظاهرين لكم، فَلَنَا دخل في فتحكم، فليكن لنا شركة في غنيمتكم { وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ } أي: إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان، كما وقع يوم أُحد، فإن الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة { قَالُوۤاْ } أي: الكفرة تودداً إليهم، ومصانعة لهم، ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم لضعف إيمانهم { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } أي: ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم { وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بأن ثبطناهم عنكم، وتَوَاَنَيْنَا في مظاهرتهم حتى انتصرتم عليهم، وإلا لكنتم نهبة للنوائب، وتسميةُ (ظفر المسلمين) فتحاً، و (ما للكافرين) نصيباً؛ لتعظيم شأن المسلمين وتخسيس حظ الكافرين.

قال في (الانتصاف): وهذا من محاسن نكت القرآن، فإن الذين كان يتفق للمسلمين فيه، استئصالٌ لشأفة الكفار واستيلاء على أرضهم وديارهم وأموالهم وأرض لم يطؤوها، وأما ما كان يتفق للكفار فمثل الغلبة والقدرة التي لا يبلغ شأنها أن تسمى فتحاً، فالتفريق بينهما أيضاً مطابق للواقع، والله أعلم.

قال بعض الزيدية: في الآية دلالة على وجوب محبة نصرة المؤمنين وكراهة أن تكون اليد عليهم، وتحريم خذلانهم، وإن المنافق لا سهم له، لأن في الآية إشارة إلى أنهم طلبوا لما منعوا، فقالوا: ألم نكن معكم؟ ثم قال، يجوز التأليف من الغنيمة للمنافقين، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حنين، حتى أعطى الواحد منهم مائة ناقة، والواحد من المسلمين الشاة أو البعير. { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي: حكماً يليق بشأن كل منكم من الثواب والعقاب أي: فلا يغترّ المنافقون بحقن دمائهم في الدنيا لتلفظهم بالشهادة، لما له تعالى في ذلك من الحكمة، فيوم القيامة لا ينفعهم ظواهرهم. وقوله تعالى: { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } ردٌّ على المنافقين فيما أمَّلُوُه ورجوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين خوفاً على أنفسهم منهم، إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كما قال تعالى:فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } [المائدة: 52] إلى قوله:نَادِمِينَ } [المائدة: 52]، أي: لن يسلط الله الكافرين على المؤمنين فيستأصلوهم بالكلية، وإن حصل لهم ظفر حيناً ما، أفاده ابن كثير، وهذا التأويل روعي فيه سابق الآية ولاحقها، وأن السياق في (المنافقين) وهو جيد، ويقرب منه ما في تفسير ابن عباس من حمل (الكافرين) على يهود المدينة، ومن وقف مع عمومها، قال: المراد بالسبيل الحجة، وتسميتها (سبيلاً) لكونها موصلا للغلبة، أو المراد: ما دام المؤمنون عاملين بالحق غير راضين بالباطل ولا تاركين للنهي عن المنكر، كما قال تعالى:

السابقالتالي
2