الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ } أي: مقتضى إيمانكم المبالغة والاجتهاد في القيام بالعدل والاستقامة، إذ به انتظام أمر الدارين الموجب لثوابهما، ومن أشده القيام بالشهادة على وجهها، فكونوا { شُهَدَآءَ للَّهِ } أي: مقيمين للشهادة بالحق، مؤدين لها لوجهه تعالى { وَلَوْ } كانت الشهادة { عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ } فاشهدوا عليها بأن تقروا بالحق عليها ولا تكتموه { أَوِ } على { ٱلْوَٰلِدَيْنِ } أي: الأصول { وَٱلأَقْرَبِينَ } أي: الأولاد والإخوة وغيرهم، فلا تراعِهِمْ فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم، فإن الحق حاكم على كل أحد { إِن يَكُنْ } أي: من تشهدون عليه { غَنِيّاً } يبتغي في العادة رضاه ويتقي سخطه { أَوْ فَقِيراً } يترحم عليه غالباً، أو يخاف من الشهادة عليه أن يلجئ الأمر إلى أن يعطي ما يكفيه { فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } أي: من المشهود عليه، واعلم بما فيه صلاحهما، فلولا أن الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها، لأن أنظر لعباده من كل ناظر { فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ } أي: إرادة العدول عن أمر الله الذي هو مصلح أموركم، وأمور المشهود عليهم، لو نظرتم ونظروا إليه.

قال ابن كثير: أي: لا يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم، على ترك العدل في شؤونكم، بل الزموا العدل على أي حال كان، كما قال تعالى:وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [المائدة: 8]. ومن هذا قول عبد الله بن رواحة لما بعثه النبيّ صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، فأرادوا أن يُرشوه ليرفق بهم، فقال: والله! لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ، ولأنتم أبغض إليّ من أعدائكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على ألا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض { وَإِن تَلْوُواْ } أي: تحرفوا ألسنتكم عن الشهادة على وجهها: { أَوْ تُعْرِضُواْ } أي: عنها بكتمها { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } فيجازيكم على ذلك، قال تعالى:وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } [البقرة: 283].

تنبيه

قال بعض مفسري الزيدية: لهذه الآية ثمرات، هي أحكام: الأول: وجوب العدل على القضاة والولاة، وألا يعدل عن القسط لأمر تميل إليه النفوس وشهوات القلوب من غنى أو فقر أو قرابة، بل يستوي عنده الدنيء والشريف والقريب والبعيد، ويروى أن عمر أقام حدّاً على ولد له، فذاكره في حق القرابة، فقال: إذا كان يوم القيامة شهدتَ عند الله أن أباك كان يقيم عليك الحدود. الحكم الثاني: أنه يجب الإقرار على من عليه الحق ولا يكتمه، لقوله تعالى: { وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ } والمراد بالشهادة على النفس الإقرار، وهذا ظاهر. وقيل المعنى: ولو كانت الشهادة وبالاً ومضرة على أنفسكم وآبائكم، بأن تكون الشهادة على سلطان ظالم، وهذه المسألة فيها خلاف بين الفقهاء إذا خشي مضرة دون القتل، هل يجب عليه الشهادة أم لا؟ فقيل: يجب لأنه لا يحفظ ماله بتلف مال غيره.

السابقالتالي
2