الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا } أي: زوجها { نُشُوزاً }: أي: تجافياً عنها وترفعاً عن صحبتها، بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها { أَوْ إِعْرَاضاً } أي: تطليقاً، أو أن يقلّ محادثتها ومجالستها، كراهة لها أو لطموح عينه إلى أجمل منها { فَلاَ جُنَاْحَ } أي: لا إثم { عَلَيْهِمَآ } حينئذ { أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً } بحط شيء من المهر أو النفقة. أو هبة شيء من مالها أو قَسْمِها، طلباً لبقاء الصحبة إن رضيت بذلك، وإلا فعلى الزوج أن يوفيها حقها أو يفارقها. قال في (الإكليل): الآية أصل في هبة الزوجة حقها من القَسْم وغيره، استدل به من أجاز لها بيع ذلك. { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } أي: من الفرقة والنشوز والإعراض. قال ابن كثير: بل الطلاق بغيض إليه سبحانه وتعالى، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " قال بعض مفسري الزيدية: وفي هذه الآية حث على الصبر على نفس الصحبة، لقوله تعالى: { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } أي: من الفرقة وسوء العشرة، أو خير من الخصومة، أو خير من الخيور، كما أن الخصومة شر من الشرور، وقد كان من كرم أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكرم صواحب خديجة بعد موتها، وعنه صلى الله عليه وسلم: " إنه من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه " ، وهذا فيه صبر، وفي الصبر ما لا يحصر من المحاسن والفضائل، والصلح فيه من أنواع الترغيب. روى عنه صلى الله عليه وسلم: " من أصلح بين اثنين استوجب ثواب شهيد " ، وعن أنس: " من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة " انتهى. وفي (الإكليل): قوله تعالى: { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } عام في كل صلح، أصل فيه. وفي الحديث: " الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً " واستدل بعموم الآية من أجاز الصلح على الإنكار والمجهول { وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ } بيان لما جبل عليه الإنسان، أي: جعلت حاضرة له مطبوعة عليه، لا تنفك عنه أبداً، فلا تكاد المرأة تسمح بالنشوز، والإعراض، وحقوقها من الرجل، ولا الرجل في إمساكها مع القيام بحقوقها على ما ينبغي، إذا كرهها أو أحب غيرها، والجملة الأولى للترغيب في المصالحة، والثانية لتمهيد العذر في المشاحة وللحث على الصلح، فإن شح نفس الرجل وعدم ميلها عن حالتها الجبليّة بغيرها استمالة، مما يحمل المرأة على بذل بعض حقوقها إليه لاستمالته، وكذا شح نفسها بحقوقها مما يحمل الرجل على أن يقتنع من قِبَلِها بشيء يسير، ولا يكلفها بذل الكثير، فيتحقق بذلك الصلح { وَإِن تُحْسِنُواْ } في العشرة { وَتَتَّقُواْ } النشوز والإعراض ونقص الحق { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ } من تحمل المشاق في ذلك { خَبِيراً } فيجازيكم ويثيبكم، قال أبو السعود: وفي خطاب الأزواج بطريق الالتفات، والتعبير عن رعاية حقوقهن بالإحسان، ولفظ (التقوى) المنبئ عن كون النشوز والإعراض مما يتوقى منه، وترتيب الوعد الكريم عليه - من لطف الاستمالة والترغيب في حسن المعاملة، ما لا يخفى.

السابقالتالي
2 3