الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً }

{ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ } أي: ليس الأمر على شهواتكم وأمانيكم أيها المشركون أن تنفعكم الأصنام { وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } ولا على شهوات اليهود والنصارى حيث قالوا:نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ } [المائدة: 18]لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [البقرة: 80]: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } أي: من المشركين وأهل الكتاب بدليل قوله: { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } وهذا وعيد للكفار لأنه قال بعده:

{ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } جملة حالية، وَ (من) الأولى زائدة عند الأخفش، وصفة عند سيبويه، أي: شيئاً من الصالحات { فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } أي: لا ينقص من حسناتهم قدر نقير، وهو النقرة التي على ظهر النواة، وهذا على سبيل المبالغة في نفي الظلم، ووعد بتوفية جزاء أعمالهم من غير نقصان، والراجع في: { وَلاَ يُظْلَمُونَ } لعمال السوء وعمال الصالحات جميعاً، وجاز أن يكون ذكره عند أحد الفريقين دليلاً على ذكره عند الآخر، وقوله تعالى: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } وقوله: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ } بعد ذكر تمني أهل الكتاب كقوله سبحانه:بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ } [البقرة: 81] وقوله:وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [النساء: 122] عقيب قوله:وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [البقرة: 80].

تنبيه

ما قدمناه من أن الخطاب في قوله تعالى: { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ } للمشركين وأن قوله تعالى: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا } أي: من أهل الكتاب والمشركين - هو الذي يدل عليه سياق الآية ونظمها الكريم كما بينا. ورواه الطبرانيّ عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن، قال الأولان رضي الله عنهما: (السوء) ههنا هو الشرك. وقال الحسن: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا } هو الكافر، ثم قرأ:وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } [سبأ: 17].

ولما كان لعموم هذا الخطاب روعة، وأيّ روعة، أشفق كثير من الصحابة لأجله. قال ابن كثير: وقد روي أن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على كثير من الصحابة. قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا إسماعيل عن أبي بكر بن أبي زهير قال: أخبرت أن أبا بكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله! كيف الفلاح بعد هذه الآية: { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } ، فكل سوء عملناه جزينا به؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " " غفر الله لك، يا أبا بكر، ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء ". قال: بلى قال: " هو مما تجزون به " ".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } شق ذلك على المسلمين، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2