الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَٰناً مَّرِيداً }

{ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } ما يعبد مشركو مكة ونحوهم من دون الله { إِلاَّ إِنَٰثاً } قال الرازيّ: { يَدْعُونَ } بمعنى (يعبدون) لأن من عبد شيئاً فإنه يدعوه عند احتياجه إليه. انتهى.

وقد روى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وأصحاب السنن وغيرهم، عن النعمان بن بشير؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الدعاء هو العبادة " ، ورواه أبو يعلى عن البراء، ورواه الترمذيّ عن أنس بلفظ: " الدعاء مخ العبادة ".

وفي قوله تعالى: { إِلاَّ إِنَٰثاً } وجوه:

الأولى: ما رواه ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: يعني أوثاناً، وعليه فمرجع التسمية بالإناث كون أسماء غالبها مؤنثة، كمناة والعزى واللات ونحوها، ولأنهم كانوا يلبسونها أنواع الحليّ ويزيّنونها على هيآت النسوان، وروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير ومجاهد وأبي مالك والسدّيّ ومقاتل نحو ما لعائشة.

الوجه الثاني: أنه عنى الملائكة، لأن بعضهم كان يعبد الملائكة ويقولون عنها: بنات الله.

روى ابن جرير عن الضحاك في الآية: قال المشركون، للملائكة: بنات الله، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، قال: فاتخذوهن أرباباً وصوروهن جواري فحكَوْا وقلّدوا وقالوا: هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده، يعنون: الملائكة.

قال ابن كثير: وهذا التفسير شبيه بقول الله تعالى:أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } [النجم: 19] الآيات وقال تعالى:وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً... } [الزخرف: 19] الآية، وقال:وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } [الصافات: 158] انتهى.

وقال تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ } [النجم: 27].

الوجه الثالث: ما رواه ابن أبي حاتم عن أُبيّ بن كعب في الآية قال: مع كل صنم جنية.

الرابع: قال عليّ بن أبي طلحة والضحاك عن ابن عباس والحسن: إناثاً يعني: موتى، قال الحسن: الإناث كل شيء ميت ليس فيه روح، إما خشبة يابسة وإما حجر يابس. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وفي (القاموس، وشرحه): الإناث جمع الأنثى، وهو خلاف الذكر من كل شيء، والموات الذي هو خلاف الحيوان، كالشجر والحجر والخشب، عن اللحيانيّ، وعن الفراء: تقول العرب: اللات والعزى وأشباههما من الآلهة المؤنثة. انتهى.

وقال الإمام أبو البقاء: قوله تعالى: { إِلاَّ إِنَٰثاً } هو جمع أنثى على (فعال) ويراد به كل ما لا روح فيه من صخرة ومس ونحوهما، ويقرأ (أنثى) على الإفراد، ودل الواحد على الجمع، ويقرأ (أُنُثَاً) مثل رسل فيجوز أن تكون صفة مفردة مثل امرأة جنب، ويجوز أن يكون جمع أنيث كقليب وقُلُب، وقد قالوا: حديث أنيث، من هذا المعنى، ويقرأ أُنُثاً والواحد وثن وهو الصنم وأصله وثن، في الجمع كما في الواحد إلا أن الواو قلبت همزة لما انضمت ضماً لازماً وهو مثل أسَد وأسُد، ويقرأ بالواو على الأصل جمعاً، ويقرأ بسكون الثاء مع الهمزة والواو.

السابقالتالي
2