الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ } أي: مساررتهم، والسياق، وإن دل على مناجاة بعض قوم ذلك السارق مع بعض، إلا أنها في المعنى عامة، والمراد: لا خير فيما يتناجى فيه الناس ويخوضون فيه من الحديث، ثم استثنى النجوى في أعمال الخير بقوله سبحانه: { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ } أي: إلا في نجوى من أمر، بخفية عن الحاضرين، بصدقة ليعطيها سرّاً، يستر به عار المتصدَّق عليه { أَوْ مَعْرُوفٍ } أي: بطاعة الله. وأعمال البر كلها معروف، وسر التناجي فيه ألا يأنف المأمور عن قبوله لو جهر به { أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } يعني الإصلاح بين المتباينين والمتخاصمين ليتراجعا إلى ما كانا فيه من الألفة والاجتماع، على ما أذن الله فيه وأمر به، وسر النجوى فيه أنه لو ظهر أولاً ربما لم يتم.

قال المهايميّ: قيل في الحصر: الخير إما نفع جسمانيّ وهو في الأمر بالصدقة، أو روحانيّ وهو في الأمر بالمعروف، وإما دفع وهو في الإصلاح. ويمكن أن يقال: الخير إما نفع متعد من المأمور وهو الصدقة: أو لازم له وهو المعروف، أو دفع ضرر متعد أو لازم له، وهو الإصلاح، وإنما تتم خيريتها إذا ابتغى بها رضاء الله تعالى كما قال: { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ } أي: طلب { مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ } يعني: في الآخرة { أَجْراً عَظِيماً } يساوي أجر الفاعل أو يفوقه، وقد دلت الآية على الترغيب في الصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس، وقد أكد تعالى الترغيب بقوله: { عَظِيماً } وأن النية فيها شرط لنيل الثواب، لقوله تعالى: { ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } وعلى أن كلام الإنسان عليه لا له، إلا ما كان في هذا ونحوه، كما جاء في الحديث الذي رواه ابن مردويه بسنده إلى محمد بن يزيد بن حنيش قال: دخلنا على سفيان الثوريّ نعوده فدخل علينا سعيد بن حسان، فقال له الثوريّ: الحديث الذي كنتَ حدثتنيه عن أم صالح اردُدْه عليّ فقال: حدثتني أم صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلام ابن آدم كله عليه لا له، إلا ذكر الله عز وجل، أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر " فقال سفيان: أوما سمعتَ الله في كتابه يقول: { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } فهو هذا بعينه، أوما سمعت الله يقول:يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } [النبا: 38]، فهو هذا بعينه، أوما سمعت الله يقول في كتابه:وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } إلخ [العصر: 1-2] فهو هذا بعينه.

وقد روى هذا الحديث الترمذيّ وابن ماجه من حديث ابن حنيش عن سعيد بن حسان به، ولم يذكر أقوال الثوريّ إلى آخرها.

السابقالتالي
2