الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً }

{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ } أي: مع أصحابك شهيداً وأنتم تخافون العدوّ { فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ } أي: أردت أن تقيم بهم الصلاة بالجماعة التي، لوفور أجرها، بتحمل مشاقها { فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ } في الصلاة، أي بعد أن جعلتهم طائفتين، ولتقف الطائفة الأخرى بإزاء العدوّ ليحرسوكم منهم، وإنما لم يصرح به لظهوره { وَلْيَأْخُذُوۤاْ } أي: الطائفة التي قامت معك: { أَسْلِحَتَهُمْ } معهم لأنه أقرب للاحتياط { فَإِذَا سَجَدُواْ } أي: القائمون معك، سجدتي الركعة الأولى وأتموا الركعة، فارقوك وأتموا صلاتهم، وتقوم إلى الثانية منتظراً، فإذا فرغوا { فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ } أي: فلينصرفوا إلى مقابلة العدوّ للحراسة { وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ } وهي الطائفة الواقعة تجاه العدوّ { فَلْيُصَلُّواْ } ركعتهم الأولى { مَعَكَ } وأنت في الثانية فإذا جلست منتظراً، قاموا إلى ثانيتهم وأتموها ثم جلسوا ليسلموا معك، ولم يبين في الآية الكريمة حال الركعة الرابعة الباقية لكل من الطائفتين اكتفاء ببيانه صلى الله عليه وسلم لهم، كما يأتي { وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ } أي: تيقظهم، لأن العدوّ يتوهمون في الأولى كون المسلمين قائمين في الحرب، فإذا قاموا إلى الثانية ظهر لهم أنهم في الصلاة فههنا ينتهزون الفرصة في الهجوم عليهم، فلذا خص هذا الموضع بزيادة تحذير فقال: { وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ } وجعله كالآلة، فأمر بأخذه وعطف عليه { وَأَسْلِحَتَهُمْ } قال الواحديّ: فيه رخصة للخائف في الصلاة بأن يجعل بعض فكره في غير الصلاة، قال أبو السعود: وتكليف كل من الطائفتين بما ذكر، لما أن الاشتغال بالصلاة مظنة لإلقاء السلاح والإعراض عن غيرها، ومئنة لهجوم العدو، كما ينطق به قوله تعالى: { وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: تمنوا { لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ } فتضعونها { وَأَمْتِعَتِكُمْ } أي: حوائجكم التي بها بلاغكم { فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً } أي: يحملون حملة واحدة فيقتلوكم، فهذا علة الأمر بأخذ السلاح، والأمر بذلك للوجوب، لقوله تعالى: { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أي: لا حرج ولا إثم عليكم { إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ } يثقل معه حمل السلاح { أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ } يثقل عليكم حمله { أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ } أخرج البخاريّ عن ابن عباس قال: نزلت: { إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ } ، في عبد الرحمن بن عوف كان جريحاً، ثم أمروا مع ذلك بالتيقظ والاحتياط، فقيل: { وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ } لئلا يهجم عليكم العدوّ غيلة { إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } أي: يهانون به، ويقال: شديداً، قال أبو السعود: هذا تعليل للأمر بأخذ الحذر، أي: أعدّ لهم عذاباً مهيناً، بأن يخذلهم وينصركم عليهم، فاهتموا بأموركم ولا تهملوا في مباشرة الأسباب كي يحل بهم عذابه بأيديكم، وقيل: لما كان الأمر بالحذر من العدو موهماً لتوقع غلبته واعتزازه، نفى ذلك الإيهام بأن الله تعالى ينصرهم ويهين عدوّهم لتقوى قلوبهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7