الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }

وقوله تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي: سافرتم { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } أي: إثم { أَن تَقْصُرُواْ } أي: تنقصوا شيئاً { مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ } أي: يقاتلكم { ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } في الصلاة { إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } ظاهر العداوة، فلا يراعون حرمة الصلاة لعدواتهم.

تنبيه في مسائل تتعلق بالآية

الأولى: ذهب الجمهور إلى أن الآية عني بها تشريع صلاة السفر، وإن معنى قوله تعالى: { أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ } هو قصر الكمية، وذلك بأن تجعل الرباعية ثنائية، قالوا: وحكمها للمسافر في حال الأمن كحكمها في حال الخوف لتظاهر السنن على مشروعيتها مطلقاً. روى الترمذي والنسائي وابن أبي شيبة عن ابن عباس. أن النبي صلى الله عليه وسلم: خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الله رب العالمين، فصلى ركعتين. وروى البخاري وبقية الجماعة عن حارثة بن وهب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن ما كان، بمنى ركعتين. وروى البخاري والبقية عن أنس قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قلت: أقمتم بمكة شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً.

وحينئذ فقوله تعالى: { إِنْ خِفْتُمْ } خرج مخرج الغالب، حال نزول الآية. إذ كانت أسفارهم بعد الهجرة في مبدئها مخوفة، بل ما كانوا ينهضون لا إلى غزو عامّ، أو سرية خاصة، وسائر الأحياء حرب للإسلام وأهله، والمنطوق، إذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له كقوله:وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [النور: 33] وكقوله تعالى:وَرَبَائِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ... } [النساء: 23] الآية.

قالوا: ويدل على أن المراد بالآية صلاة السفر ما رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن عن يعلى بن أمية قال سألت عمر بن الخطاب، قلت له: قوله تعالى: { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ }... وقد أمن الناس؟ فقال لي عمر رضي الله عنه: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ".

وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي حنظلة الحذاء قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر؟ فقال: ركعتان، فقلت: أين قوله: { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } - ونحن آمنون فقال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى ابن مردويه عن أبي الوداك قال: سألت ابن عمر عن ركعتين في السفر؟ فقال: هي رخصة نزلت من السماء، فإن شئتم فردوها.

قالوا: فهذا يدل على أن القصر المذكور في الآية هو القصر في عدد الركعات، وإن ذلك كان مفهوماً عندهم عن معنى الآية، قالوا: ومما يدل على أن لفظ (القصر) كان مخصوصاً في عرفهم بنقص عدد الركعات، ولهذا المعنى، لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين، قال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟

هذا، وذهب كثير من السلف، منهم مجاهد والضحاك والسدي، إلى أن هذه الآية نزلت في صلاة الخوف، وأن المعني بالقصر هو قصر الكيفية لا الكمية، لأن عندهم كمية صلاة المسافر ركعتان، فهي تمام غير قصر، كما قاله عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، قالوا: ولهذا قال تعالى: { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } وقال تعالى بعدها:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9